القدرة على الفعل ، مشتركة بين كلتا القدرتين.
وإن شئت فلاحظ البرهان الثاني الذي نقلناه عن المقاصد وشرح التجريد. وقالوا : « إنّ الفعل حال عدمه ممتنع ، لاستحالة اجتماع الوجود والعدم ، ولا شيء من الممتنع بمقدور » فلو كان الشيء في حال العدم ممتنعاً فهو موصوف بالامتناع ، تجاه القدرة الواجبة أو القدرة الممكنة معاً ، من غير فرق بينهما.
نعم ، ما نقلناه عن « لمع » الأشعري من البرهان على الامتناع ربما لا يجري فيه سبحانه ، لأنّ صلب البرهان هنا كون القدرة عرضاً قائماً بالنفس وقدرته سبحانه ليست عرضاً ولا جوهراً ، اللّهمّ إلاّ أن تكون القدرة الواجبة عنده عرضاً قائماً بذاته ، كما هو غير بعيد من قوله بالصفات القديمة الزائدة على الذات.
أمّا الثاني : فمحصله أنّ نفس القدرة القديمة ، والحادث أعمالها ، ولكن لو صحّ ذلك لصحّ في الإنسان وغيره ، بأن يقال أصل القدرة متقدمة والأعمال متأخّرة.
٣ ـ إنّ من الأُصول المسلّمة عند الأشعري ؛ حصر الخالقية على الإطلاق في الله سبحانه وأنّه لا خالق ولا مؤثر لا بالذات ولا بالطبع إلاّ هو ، والأسباب والعلل كلّها علامات وإشارات إلى تعلّق إرادته سبحانه ، بإيجاد الشيء بعدها ، وعلى هذا الأصل أنكر مسألة العلية والمعلولية ، والسببية والمسببية في عوالم الوجود ، وحصرها في ذاته تعالى ، وقد تواتر عن الأشاعرة قولهم : « جرت عادة الله على خلق هذا بعد ذلك » وعلى هذا الأصل قام سبحانه مكان جميع العلل المجردة والمادية.
وقال شاعرهم نافياً لأصل العلية بأي معنى فسرت في غيره سبحانه :
ومن يقل بالطبع أو بالعلّة |
|
فذاك كفر عند أهل الملّة |
أقول : لو صحّ هذا الأصل ( ولن يصحّ أبداً لمخالفته لصريح الآيات ، وصرورة العقل والفطرة ) لكان البحث عن تقدّم القدرة على الفعل أو مقارنته معها ، فضولاً في الكلام وإضاعة للوقت ، فإنّه يسلم أنّ القدرة فيه سبحانه