الوجود في الواجب شيئاً طارئاً عليه ، ومع قيام هذا الاحتمال لا يصحّ للمستدلّ أن يجعل مصحّح الرؤية نفس الوجود ، ثمّ يدّعي اشتراكه بين الواجب وغيره.
بل هناك احتمال ثالث ، هو أن يكون الملاك ومصحّح الرؤية هو الوجود الإمكاني المادي ، الذي يقع في إطار شرائط خاصة لتحقّقها ، وهي عبارة عن المقابلة وكونه طرف الإضافة المقولية بين البصر والمبصر ، بضميمة وجود الضوء بينهما ، فادّعاء كون الملاك أمراً وسيعاً ( الوجود ) ، يحتاج إلى دليل.
ولو أردنا أن نقف على ما هو الملاك ـ من زاوية العلوم الطبيعية ـ فإنّ الإبصار حسب هذه العلوم رهن ظروف خاصة ، ولا تعدو عن كون المبصر موجوداً ممكناً مادياً ، يقع في أُفق الحس حيث يوجد هناك ضوء ، وادّعاء إمكان الإبصار في غير هذه الظروف يحتاج إلى دليل ، وليس الاحتمال كافياً في مقام البرهان.
والعجب أنّه يدّعي أنّ مصحّح الرؤية هو الوجود ، وعليه أن يعترف بصحّة رؤية الأفكار والعقائد ، والروحيات والنفسانيات من القدرة والإرادة ، إلى غير ذلك من الموجودات التي لا يشكّ أحد في امتناع رؤيتها.
ولكن الشيخ حسب نقل شارح المواقف أجاب عن هذا النقض بقوله : إنّنا لا نرى هذه الأشياء التي ذكرتموها لجريان العادة من الله بعدم الرؤية ، فإنّه أجرى عادته بعدم خلق رؤيتها فينا ، ولكن لا يمتنع أن يخلق فينا رؤيتها كما خلق رؤية غيرها. (١)
ولا يخفى أنّ كلامه يتضمن المصادرة على المطلوب ، إذ من أين وقف على إمكان رؤيتها حتى يصحّ تعليل عدم وقوعها بقوله : « أجرى عادته بعدم خلق رؤيتها فينا مع إمكانها » فإنّ الكلام في نفس الإمكان ، والخصم يدّعي الامتناع وهو يدّعي خلافه.
أضف إلى ذلك أنّ اللجوء إلى عادة الله في كلمات الشيخ الأشعري
ــــــــــــــــــ
١ ـ شرح المواقف : ٨/١٢٣.