وباختصار : إنّ الدليل السلبي الذي اعتمد عليه الشيخ الأشعري غير كاف ، لأنّ الرؤية تستلزم التشبيه ، أي ما يستحيل عليه سبحانه من كونه طرف الإضافة المقولية الحاصلة بينه وبين الحواس.
الدليل العقلي الثاني لجواز الرؤية
إنّ الوجود هو المصحح للرؤية ، وهو مشترك بين الواجب وغيره وقد نسبه في المواقف إلى الشيخ الأشعري والقاضي وأكثر أئمّة الأشاعرة. (١)
وحاصله : أنّ الرؤية مشتركة بين الجوهر والعرض ، ولابدّ للرؤية المشتركة من علّة واحدة وهي إمّا الوجود أو الحدوث ، والحدوث لا يصلح للعلية ، لأنّه أمر عدمي ، فتعيّن الوجود ، والوجود مشترك بين الواجب والممكن ، فينتج أنّ صحّة الرؤية مشتركة بين الواجب والممكن.
وقد اعترض على ذلك البرهان في الكتب الكلامية ، حتى من جانب نفس الأشاعرة (٢) ، بكثير ولكنّا نعتمد في نقض هذا البرهان على ما يبطله من أساسه ، فنقول:
إنّ الحصر في كلامه غير حاصر ، فمن أين علم أنّ مصحّح الرؤية هو الوجود؟ إذ من المحتمل أن يكون الوجود شرطاً لازماً ، لا شرطاً كافياً ، ويكون الملاك هو الوجود الممكن ، وليس المراد من الممكن في قولنا « الوجود الممكن » الإمكان الذاتي ، الذي يقع وصفاً للماهية ، حتى يقال بأنّ الماهية ووصفها « الإمكان » من الأُمور العدمية والاعتبارية لا تصلح أن تكون جزء العلّة ، بل المراد هو الإمكان الذي يقع وصفاً للوجود ، ومعناه كون الوجود متعلقاً بالغير قائماً به ، كقيام المعنى الحرفي بالمعنى الاسمي ، وليس الإمكان بهذا المعنى شيئاً غير حقيقة الوجود الإمكاني ، كما أنّ الوجوب ليس وراء نفس حقيقة
ــــــــــــــــــ
١ ـ شرح المواقف : ٨/١١٥.
٢ ـ تلخيص المحصل : ٣١٧ ، غاية المرام : ١٦٠ ، شرح التجريد للقوشجي : ٤٣١ وغيره.