موسى اسألني ما سألوك فلن أُؤاخذك بجهلهم ، فعند ذلك قال موسى عليهالسلام : ربّ أرني أنظر إليك. قال : لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه ( وهو يهوي ) فسوف تراني ، فلما تجلّى ربّه للجبل ( بآية من آياته ) جعله دكاً وخرّ موسى صعقاً ، فلمّا أفاق قال : سبحانك تبت إليك ( يقول : رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي ) وأنا أوّل المؤمنين ( منهم بأنّك لا تُرى ) ، فقال المأمون : لله درك يا أبا الحسن. (١)
ثمّ إنّ للعّلامة الزمخشري كلاماً حول تفسير الآية هو فصل الخطاب ، يقرب كلامه ممّا نقلناه عن الإمام الطاهر أبي الحسن الرضا عليهالسلام ، فإلى القارىء نصه : « فإن قلت : كيف طلب موسى عليهالسلام ذلك وهو من أعلم الناس بالله وصفاته ومايجوز عليه ومالا يجوز ، وبتعاليه عن الرؤية التي هي إدراك ببعض الحواس ، وذلك إنّما يصحّ فيما كان في جهة ، وما ليس بجسم ولا عرض فمحال أن يكون في جهة.
قلت : ما كان طلب الرؤية إلاّ ليبكِّت هؤلاء الذين دعاهم سفهاء وضُلاّلاً ، وتبرأ من فعلهم ، وليلقمهم الحجر ؛ وذلك أنّهم حين طلبوا الرؤية أنكر عليهم ، وأعلمهم الخطأ ونبّههم على الحقّ ، فلجّوا وتمادوا في لجاجهم ، وقالوا : لابدّ ، ولن نؤمن حتى نرى الله جهرة. فأراد أن يسمعوا النصّ من عند الله باستحالة ذلك ، وهو قوله : « لن تراني » ليتيقّنوا وينزاح عنهم ما دخلهم من الشبهة ، فلذلك قال : ربِّ أرني أَنظر إليك.
فإن قلت : فهلاّ قال : أرهم ينظروا إليك؟ قلت : لأنّ الله سبحانه إنّما كلّم موسى عليهالسلام وهم يسمعون ، فلمّا سمعوا كلام ربّ العزّة أرادوا أن يري موسى ذاته فيبصروه معه ، كما أسمعه كلامه فسمعوه معه ، إرادة مبنية على قياس فاسد ، فلذلك قال موسى : أَرني أَنظر إليك ولأنّه إذا زجر عمّا طلب وأنكر عليه في نبوته واختصاصه وزلفته عند الله ، وقيل له : لن يكون ذلك ، كان غيره أولى بالإنكار ، ولأنّ الرسول إمام أُمّته فكان ما يخاطب به أو ما
ــــــــــــــــــ
١ ـ توحيد الصدوق : ١٢١ ـ ١٢٢.