يخاطب ، راجعاً إليهم ، وقوله : أَنظر إليك وما فيه من معنى المقابلة التي هي محض التشبيه والتجسيم ، دليل على أنّه ترجمة عن مقترحهم ، وحكاية لقولهم ، وجلّ صاحب الجمل أن يجعل الله منظوراً إليه ، مقابلاً بحاسة النظر ، فكيف بمن هو أعرف في معرفة الله تعالى من واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد والنظام وأبي الهذيل والشيخين وجميع المتكلّمين.
فإن قلت : ما معنى « لن »؟
قلت : تأكيد النفي الذي تعطيه « لا » وذلك أنّ « لا » تنفي المستقبل ، تقول : لا أفعل غداً ، فإذا أكدت نفيها قلت : لن أفعل غداً. والمعنى أنّ فعله ينافي حالي ، كقوله : لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلو اجْتَمعوا له ، فقوله : لا تُدركه الأَبصار نفي للرؤية فيما يستقبل ولن تراني تأكيد وبيان ، لأنّ النفي مناف لصفاته. (١)
ذلك كلام الإمام الطاهر علي بن موسى الرضا عليهالسلام ، أحد قرناء الكتاب وأعداله حسب تنصيص النبي الأكرمصلَّى الله عليه واله وسلَّم. (٢) وهذا تحليل علاّمة المعتزلة ، ولو تأمل الإنسان المحايد فيما ذكر ، لعرف دلالة الآية على امتناع الرؤية.
وبذلك يعلم أنّ الميقات الوارد في قوله تعالى : وَلَمّا جاءَمُوسى لِميقاتِنا وَكَلّمَهُ رَبّهُ قالَ رَبِّ أَرِني أَنْظُر إِليك نفس الميقات الوارد في الآية الأُخرى ، أعني قوله : وَاخْتارَمُوسى قومهُ سَبْعينَ رَجُلاً لِميقاتِنا فَلَمّا أَخَذتهُمُ الرّجْفَةولم يكن لموسى مع قومه أي ميقات غير هذا. غير أنّ الرجوع في سورة الأعراف إلى مسألة الميقات ثانياً بعد ذكره في بدء القصة ، لأجل العناية بهذه القطعة من القصة ، والقرآن ليس كتاب قصة ، وإنّما هو كتاب هداية يكرر من القصة ما يهمّه.
وبعبارة أُخرى : إنّ موضوع طلب الرؤية ذكر في ثنايا القصة مرّة
ــــــــــــــــــ
١ ـ الكشاف : ١/٥٧٣ ـ ٥٧٤ ط مصر. كذا في المطبوع ، والصحيح : أنّ الرؤية منافية ، كما في جوامع الجامع.
٢ ـ في حديث الثقلين المتواتر عند الفريقين ، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ».