كان يورد الأسئلة على أُستاذيه في الدرس ولا يجد لها جواباً شافياً ، فيتحير في ذلك ، فحكي أنّه قال :
وقع في صدري في بعض الليالي شيء ممّا كنت فيه من العقائد ، فقمت وصليت ركعتين ، وسألت الله تعالى أن يهديني الطريق المستقيم ، ونمت فرأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالمنام فشكوت إليه بعض ما بي من الأمر ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : عليك بسنّتي ، فانتبهت وعارضت مسائل الكلام بما وجدت في القرآن والأخبار فأثبته ، ونبذت ما سواه ورائي ظهرياً.
٢ ـ نقل أيضاً عن الأشعري أنّه قال : بينا أنا نائم في العشر الأُول من شهر رمضان ، رأيت المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا علي أنصر المذاهب المروية عني فإنّها الحقّ ، فلمّا استيقظت دخل عليّ أمر عظيم ، ولم أزل مفكراً مهموماً لرؤياي ، ولما أنا عليه من إيضاح الأدلة في خلاف ذلك ، حتى كان العشر الأوسط فرأيت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في المنام فقال لي : ما فعلت فيما أمرتك به؟ فقلت : يا رسول الله ، وما عسى أن أفعل وقد خرّجت للمذاهب المروية عنك وجوهاً يحتملها الكلام ، واتّبعت الأدلة الصحيحة التي يجوز إطلاقها على الباري عزّوجلّ؟ فقال لي : أنصر المذاهب المروية عني فإنّها الحقّ ، فاستيقظت وأنا شديد الأسف والحزن ، فأجمعت على ترك الكلام واتبعت الحديث وتلاوة القرآن ؛ إلى آخر ما ذكره من الرؤيا. (١)
وكان الأولى للمحقّق ترك نقل هذه المنامات ، لأنّ العوام والسذج من الناس إذا أعوزتهم الحجة في اليقظة ، يلجأون إلى النوم فيجدون ما يتطلبونه من الحجج في المنام ، فيملأون كتبهم بالمنامات والرؤى.
أضف إلى ذلك وجود التهافت بين المنامين ، فإنّ الأوّل يعرب عن ظهور الشكّ في صحّة معتقداته قبل المنام وتزايده إلى أن أدى إلى التحول والبراءة بسبب الرؤيا ، ولكن الثاني يعرب عن أنّ التحول كان فجائياً غير مسبوق بشيء
ــــــــــــــــــ
١ ـ التبيين : ٣٨ ـ ٤١.