( الأوّل ) : أنّ الآية في مقام المدح ، فلو لم يكن جائز الرؤية لما حصل التمدّح بقوله : لا تدركه الأبصار ألا ترى أنّ المعدوم لا تصحّ رؤيته ، والعلوم والقدرة والإرادة والروائح والطعوم ، لا تصحّ رؤية شيء منها ، ولا مُدح شيء منها في كونها لا تدركها الأبصار ، فثبت أنّ قوله : لا تدركه الأبصار يفيد المدح ، ولا يصحّ إلاّ إذا صحت الرؤية.
يلاحظ عليه :
أوّلاً : لو كان المدح دليلاً على إمكان الرؤية فليكن المدح في الآية التالية دليلاً على إمكان ما ذكر فيها ، قال سبحانه : (وَقُلِ الْحَمْدُ للّهِ الَّذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَريكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبيراً). (١) فلو دل سلب شيء عن شيء على إمكان ثبوته له ، لدلت الآية على جواز اتخاذه الولد والشريك ، ممّا يعد مستحيلاً في نفسه عليه تعالى.
وثانياً : أنّ المدح ليس بالجزء الأوّل وهو لا تدركه الأبصار بل بمجموع الجزءين المذكورين في الآية ، واللّ هـ سبحانه جلّت عظمت هـ يدرك ، ولكن لعلوّ شأنه ، ومقامه لا يُدرك.
( الثاني ) : أنّ لفظ الأبصار ، صيغة جمع دخل عليها الألف واللام فهي تفيد الاستغراق بمعنى أنّه لايدركه جميع الأبصار ، وهذا يفيد سلب العموم ولا يفيد عموم السلب.
يلاحظ عليه : أنّ المتبادر في المقام هو الثاني لا الأوّل ، وأيّ عبارة أصرح من الآية في الدلالة على أنّه لا يدركه أحد من جميع ذوي الأبصار من مخلوقاته ، وأنّه تعالى يدركهم ، وهذا هو المفهوم من نظائره.
قال سبحانه : (إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتدين) (٢) ، وقال سبحانه : (فَإِنَّ
ــــــــــــــــــ
١ ـ الإسراء : ١١٠.
٢ ـ البقرة : ١٩٠.