هذا ولو سمح لي أدب البحث والنقد ، لقلت بأنّ ما ذكره الرازي أشبه بالمهزلة ، وليست محاولته هذه إلاّ أنّه بصدد إصلاح ما اتخذه من موقف مسبق في هذا المجال. وإلاّ فالرازي ينبغي أن يترفع عن مثل هذا الكلام.
ولأجل ذلك ضربنا عن الوجه الرابع صفحاً ، لكونه في الوهن مثل الثالث (١) ، بل أوهن منه.
الآية الثانية : قوله سبحانه : (يَومَئِذ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَولاً* يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحيطُونَ بِهِ عِلْماً). (٢)
إنّ الرؤية سواء أوقعت على الكل أم على الجزء ، نوع إحاطة به سبحانه عنها. والآية في كيفية البيان نظير الآية السابقة ، وتختلفان في تقدّم الإيجاب وتأخّر السلب هنا ، عكس الآية السابقة.
فقوله : يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ نظير قوله : وهو يدرك الأبصار.
وقوله : ولا يحيطون به علماً نظير قوله : لاتدركه الأبصار.
والضمير في ولا يحيطون به يرجع إلى الله. واحتمل الرازي لأجل الفرار من دلالة الآية على امتناع رؤيته سبحانه رجوع الضمير إلى ما بين أيديهم وما خلفهم أي لا يحيط العباد بما فيهما. وهو تأويل لأجل تثبيت موقف مسبق ، لأنّ عدم علم العباد بما فيهما ، أمر واضح لا حاجة لذكره هنا بلا موجب ، وإنّما المناسب هو ذكر إحاطته سبحانه بعباده ، وعدم إحاطتهم به ، فالآية تصف علمه تعالى بهم في موقف الآخرة ، وهو مابين أيديهم ، وقبل أن يحضروا الموقف في الدنيا وهو وما خلفهم ، فهم محاطون بعلمه ، ولا يحيطون به علماً فيجزيهم بما فعلوا ، وقد عرفت أنّ الرؤية نوع إحاطة.
ــــــــــــــــــ
١ ـ راجع للوقوف على هذه الوجوه تفسير الرازي : ٤/١١٨ ـ ١١٩.
٢ ـ طه : ١٠٩ ـ ١١٠.