مخلوق حدث ، أنزله الله على نبيّه ليكون علماً ودالاً على نبوته ، وجعله دلالة لنا على الأحكام ، لنرجع إليه في الحلال والحرام واستوجب منّا بذلك الحمد والشكر ، وإذاً هو الذي نسمعه اليوم ونتلوه ، وإن لم يكن محدثاً من جهة الله تعالى فهو مضاف إليه على الحقيقة ، كما يضاف ما ننشده اليوم من قصيدة امرئ القيس على الحقيقة ، وإن لم يكن امرؤ القيس محدثاً لها الآن. (١)
وقبل الخوض في تحليل المسألة نقدّم أُموراً :
١ ـ إذا كانت مسألة خلق القرآن أو قدمه بمثابة أوجدت طائفتين يكفّر كلّ منهما عقيدة الآخر فإمام الحنابلة يقول : إنّ من زعم أنّ القرآن مخلوق فهو جهمي كافر. وقالت المعتزلة : إنّ القول بكون القرآن غير مخلوق أو قديم ، شرك بالله سبحانه ، فيجب تحليلها على ضوء العقل والكتاب والسنة بعيداً عن كلّ هياج ولغط. وممّا لا شكّ فيه أنّ المسألة قد طرحت في أجواء خاصة ، عزّ فيها التفاهم وساد عليها التناكر ، وإلاّ فلا معنى لمسلم يؤمن بالله ورسوله ، وكتابه وسنته ، التنازع في أمر تزعم إحدى الطائفتين أنّه ملاك الكفر وأنّ التوحيد في خلافه ، وتزعم الطائفة الأُخرى عكس ذلك.
ولو كانت مسألة خلق القرآن بهذه المثابة لكان على الوحي ، التصريح بأحد القولين ، ورفع الستار عن وجه الحقيقة ، مع أنّا نرى أنّه ليس في الشريعة الإسلامية نصّ في المسألة ، وإنّما طرحت في أوائل القرن الثاني. نعم ، استدلت الأشاعرة ببعض الآيات ، غير أنّ دلالتها خفية ، لا يقف عليها ـ على فرض الدلالة ـ إلاّ الأوحدي. وما يعد ملاك التوحيد والشرك يجب أن يرد فيه نصّ لا يقبل التأويل ، ويقف عليه كلّ حاضر وباد...
٢ ـ قد عرفت أنّ بعض السلف كانوا يتحرّجون من وصف القرآن بأنّه قديم ، وقالوا فقط إنّه غير مخلوق. ثمّ إنّ القائلين بهذا القول تدرّجوا فيه ووصفوا كلام الله بأنه قديم ، ومن المعلوم أنّ توصيف شيء بأنّه غير مخلوق أو قديم ممّا لا يتجرّأ عليه العارف ، لأنّ هذين الوصفين من خصائص ذاته
ــــــــــــــــــ
١ ـ شرح الأُصول الخمسة : ٢٥٨.