سبحانه ، فلو كان كلامه سبحانه غير ذاته فكيف يمكن أن يتصف بكونه غير مخلوق ، أو كونه قديماً. ولو فرضنا صحّة تلك العقيدة التي لا ينالها إلاّ الأوحدي في علم الكلام ، فكيف يمكن أن تكون هذه المسألة الغامضة ممّا يجب الاعتقاد به على كلّ مسلم ، مع أنّ الإنسان البسيط بل الفاضل لا يقدر أن يحلل ويدرك كون شيء غير الله سبحانه ، وفي الوقت نفسه غير مخلوق.
إنّ سهولة العقيدة ويسر التكليف من سمات الشريعة الإسلامية وبهما تفارق سائر المذاهب السائدة على العالم ، مع أنّ تصديق كون كلامه تعالى ـ وهو غير ذات هـ غير مخلوق أو قديم ، شيء يعسر فهمه على الخاصة ، فكيف على العامة.
٣ ـ إنّ الظاهر من أهل الحديث هو قدم القرآن المقروء ، الأمر الذي تنكره البداهة والعقل ونفس القرآن. وقد صارت تلك العقيدة بمنزلة من البطلان حتى تحامل عليها الشيخ محمد عبده إذ قال : « والقائل بقدم القرآن المقروء أشنع حالاً وأضلّ اعتقاداً عن كلّ ملّة جاء القرآن نفسه بتضليلها والدعوة إلى مخالفتها ». (١)
ولمّا رأى ابن تيمية الذي يظن نفسه مروّجاً لعقيدة أهل الحديث ، أنّها عقيدة تافهة ، صرح بحدوث القرآن المقروء وحدوث قوله تعالى : (يا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ) و ( يا أَيُّهَا المُدَّثِّر )وقوله : ( قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الّتي تُجادِلُكَ في زَوْجِها... ) إلى غير ذلك من الآيات الدالّة على حدوث النداء والسمع من حينه لا من الأزل. (٢)
والعجب أنّه استدلّ بدليل المعتزلة على حدوث القرآن المقروء ، وقال : إنّ ترتيب حروف الكلمات الجمل يستلزم الحدوث آنَ تحقُّقِ كلمة « بسم الله » ، يتوقف على حدوث الباء وانعدامها ، ثمّ حدوث السين كذلك إلى آخر
ــــــــــــــــــ
١ ـ رسالة التوحيد ، الطبعة الأُولى وقد حذف نحو صفحة من الرسالة في الطبعات اللاحقة لاحظ : ص ٤٩ من طبعة مكتبة الثقافة العربية.
٢ ـ مجموعة الرسائل الكبرى : ٣/٩٧.