المسيء. قال أمير المؤمنين عليهالسلام : « ولا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء » (١). والإمام يهدف بكلمته هذه إلى إيقاظ وجدان عامله ، ولا يطرحه بما أنّه كلام جديد غفل عنه عامله.
الثالث : لو كان الحسن والقبح شرعيين لما حكم بهما البراهمة والملاحدة الذين ينكرون الشرائع ، ولكن يحكمون بذلك مستندين إلى العقل. وهؤلاء الماديون والملحدون في الشرق والغرب يرفضون الشرائع والدين من أساسه ، ومع ذلك يعترفون بحسن أفعال وقبح بعضها الآخر.
ولأجل ذلك يغرون شعوب العالم بطرح مفاهيم خداعة ، بدعاياتهم الخبيثة ، من قبيل دعم الصلح والسلام العالمي ، وحفظ حقوق البشر والعناية بالأسرى والسجناء ونبذ التمييز العنصري ، إلى غير ذلك ممّا يستحسنه الذوق الإنساني والعقل البشري في جميع الأوساط ، يطرحون ذلك ليصلوا من خلال هذه الدعايات الفارغة إلى أهدافهم ومصالحهم الشخصية. ولولا كون هذه المفاهيم مقبولة عند عامة البشر لما استخدمها دعاة المادية والإلحاد في العالم.
والحاصل : انّ هناك أفعالاً لا يشك أحد في حسنها سواء أورد حسنها من الشرع أم لم يرد ، كما أنّ هناك أفعالاً قبيحة عند الكلّ ، سواء أورد قبحها من الشرع أم لا. ولأجل ذلك لو خُيِّر العاقل الذي لم يسمع بالشرائع ، ولا علم شيئاً من الأحكام ، بل نشأ في البوادي خالي الذهن من العقائد كلّها ، بين أن يصدق ويعطى ديناراً ، أو يكذب ويعطى ديناراً ، ولا ضرر عليه فيهما فإنّه يرجح الصدق على الكذب ، ولولا قضاء الفطرة بحسن الصدق وقبح الكذب لما فرق بينهما ، ولما اختار الصدق دائماً.
وهذا يعرب عن أنّ العقل له القدرة على الحكم والقضاء في أُمور ترجع إلى الفرد والمجتمع ، فيحكم بحسن إطاعة وليه المنعم ، وقبح مخالفته ، وأنّ المحسن والمسيء ليسا بمنزلة سواء ، ونحو ذلك.
الرابع : لو كان الحسن والقبح باعتبار السمع ، لما قبح من الله تعالى
ــــــــــــــــــ
١ ـ نهج البلاغة قسم الرسائل برقم : ٥٣.