شيء ولو كان كذلك لما قبح منه إظهار المعجزات على أيدي الكاذبين ، وتجويز ذلك سدّ لباب معرفة الأنبياء ، فإنّ أي نبي أتى بالمعجزات عقيب الإدّعاء ، لا يمكن تصديقه مع تجويز إظهار المعجزة على يد الكاذب في دعواه.
وباختصار : لو جاز منه سبحانه فعل القبيح أو الإخلال بالواجب ـ الذي يسمّيه العقل قبيحاً أو إخلالاً بالواجب ـ لارتفع الوثوق بنبوة مدّعيها وإن أظهر الإعجاز ، لتسويغ إظهار الإعجاز على يد الكاذب على الله سبحانه ، ولارتفع الوثوق بوعده ووعيده ، لإمكان تطرّق الكذب عليه ، وذلك يفضي إلى الشكّ في صدق الأنبياء ، والاستدلال بالإعجاز على صدق مدّعي النبوة.
وهذه النتيجة الباطلة من أهمّ وأبرز مايترتب على إنكار القاعدة وبذلك سدّوا باب معرفة النبوة.
والعجب أنّ الفضل بن روزبهان حاول الإجابة عن هذا الدليل بقوله : عدم إظهار المعجزة على يد الكذابين ليس لكونه أمراً قبيحاً عقلاً ، بل لعدم جريان عادة الله ، الجاري مجرى المحال العادي بذلك ، فعند ذلك لا ينسد باب معرفة الأنبياء ، لأنّ العلم العادي حكم باستحالة هذا الإظهار. (١)
يلاحظ عليه أوّلاً : أنّه من أين وقف على تلك العادة ، وأنّ الله لا يجري الإعجاز على يد الكاذب؟
وثانياً : أنّه لو كان التصديق متوقفاً على إحراز تلك العادة ، لزم أن يكون المكذّبون لنبوة نوح أو من قبله ومن بعده ، معذورين في إنكارهم لنبوة الأنبياء ، إذ لم يثبت عندهم تلك العادة ، لأنّ العلم بتلك العادة يحصل من تكرر رؤية المعجزة على يد الصادقين دون الكاذبين.
وباختصار : انّ تحصيل جريان عادة الله على أن لا يظهر المعجزة على يد الكاذب يجب أن يستند إلى مصدر ، فإن كان المصدر هو العقل فهو معزول عند الأشاعرة ، وإن كان هو السمع فالمفروض أنّه يحتمل أن يكون الشرع كاذباً في هذا الادّعاء.
ــــــــــــــــــ
١ ـ دلائل الصدق : ١/٣٦٩.