ذلك ، ومن أنكر فإنّما ينكر بلسانه ، وهو يؤمن بقلبه وجنانه.
ثمّ إنّ له استدلالاً آخر في المقام يقول : وكما يجوز أن يرى الله تعالى الخلق وليس في مقابلتهم ، جاز أن يراه الخلق من غير مقابل وكما جاز أن يُعلم من غير كيفية وصورة ، جاز أن يرى كذلك.
يلاحظ عليه : أنّه إنّما يصحّ الاستدلال لو كانت الرؤية من الجانبين على نسق واحد : فالعباد ينظرون إليه بعيونهم والله سبحانه ينظر إلى عباده ويراهم بعيونه ، وأمّا إذا قلنا بأنّ رؤيته سبحانه إحاطة وجوده بجميع الأشياء وقيامها به قياماً قيومياً فلا يصحّ القياس ، فرؤيته سبحانه لا تتوقف على المقابلة ، لأنّ الرؤية إنّما تتوقّف على المقابلة إذا لم يكن الرائي محيطاً بالمرئي فيحتاج إلى المقابلة ، دونما لم يكن محتاجاً لها.
وأظن أنّ عقلية الغزالي الشامخة كانت تصده عن تجويز الرؤية وإنّما صدرت منه هذه الهفوة لاتّفاق الأشاعرة وأهل الحديث على الرؤية.
٨ ـ نظره في رعاية الأصلح لعباده
يقول : إنّه تعالى يفعل بعباده ما يشاء فلا يجب عليه رعاية الأصلح لعباده لما ذكرناه من أنّه لا يجب عليه سبحانه شيء ، بل لا يعقل في حقّه الوجوب ، فإنّه لا يُسأل عمّا يفعل وهم يسألون.
وعلّق عليه محقّق الكتاب وقال : فلو أدخل جميعهم الجنة من غير طاعة سابقة ، كان له ذلك ، ولو أورد الكل منهم النار من غير زلة منهم كان له ذلك ، لأنّه تصرف مالك الأعيان في ملكه ، وليس عليه استحقاق ، إن أناب فبفضله يثيب ، وإن عذب فلحق ملكه يعذب. (١)
يلاحظ عليه : أنّ القائل بالأصلح للعباد يريد بذلك إخراج فعله سبحانه عن العبث لأنّه حكيم ولا سبيل للعبث إليه ، قال سبحانه :
ــــــــــــــــــ
١ ـ قواعد العقائد : ٢٠٥.