وما جرى بين معاوية وعلي عليهالسلام كان مبنياً على الاجتهاد لا منازعة من معاوية في الإمامة ، إذ ظن علي رضي الله عنه أنّ تسليم قتلة عثمان مع كثرة عشائرهم واختلاطهم بالعسكر يؤدي إلى اضطراب أمر الإمامة في بدايتها ، فرأى التأخير أصوب ، وظن معاوية أنّ تأخير أمرهم مع عظم جنايتهم يوجب الإغراء بالأئمّة ، ويعرض الدماء للسفك ، وقد قال أفاضل العلماء : « كلّ مجتهد مصيب »و قال قائلون : « المصيب واحد » ولم يذهب إلى تخطئة علي ذو تحصيل أصلاً.
يلاحظ عليه : أنّ للاجتهاد مقومات ، وللمجتهد مؤهلات مقررة في محله ، أوضحها هو الوقوف على الكتاب والسنة واستخراج الحكم الشرعي من مداركه ، وأمّا الاجتهاد تجاه النص فهو اجتهاد خاطئ ، بل تشريع في مقابل الحجة.
وعلى ضوء ذلك فهل يمكن لنا توصيف عمل معاوية وزميله عمرو بن العاص ومن لفّ لفهما في الجمل والنهروان بالاجتهاد؟ فما معنى هذا الاجتهاد الذي سفكت الدماء من أجله ، وأُبيحت وغضبت الفروج ، وانتهكت المحارم؟ وما معنى الاجتهاد تجاه قول رسول الله مخاطباً لعمار : « تقتلك الفئة الباغية »؟ فبهذا الاجتهاد عُذِرَابن ملجم المرادي أشقى الآخرين بنص الرسول الأمين على قتل خليفة الحق والإمام المبين في محراب عبادة الله ، حتى قبل إنّ ابن ملجم قيل علياً متأولاً مجتهداً على أنّه صواب ، وفي ذلك يقول عمران بن حطان :
يا ضربة من تقىّ ما أراد بها |
|
إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضواناً |
عجباً لهذا الاجتهاد يبيح سبّ علي أمير المؤمنين عليهالسلام ، ويبيح سبّ كلّ صحابي احتذى مثاله ، ويجوّز لعنهم والوقيعة فيهم والنيل منهم في خطب الصلوات والجمعات والجماعات وعلى رؤوس المنابر ، ولا يلحق فاعل هذه الموبقات ذم ولا تبعة ، بل له أجر واحد لاجتهاده خطأ ، وإن كان المجتهد من بقايا الأحزاب.
هذا عرض خاطف لنظريات « الإمام الغزالي » وقد عرفت موقفها من