ابن عساكر في ترجمته عن الأشعري فقال : إنّه نظر في كتب المعتزلة ، والجهمية والرافضة ، فسلك طريقة بينها. قال جهم بن صفوان : العبد لا يقدر على إحداث شيء ولا على كسب شيء ، وقالت المعتزلة : هو قادر على الإحداث والكسب معاً. فسلك طريقة بينهما ، فقال : العبد لا يقدر على الإحداث ، ويقدر على الكسب. فنفى قدرة الإحداث وأثبت قدرة الكسب ، وكذلك قالت الحشوية المشبهة : إنّ الله سبحانه يُرى مكيّفاً محدوداً كسائر المرئيات ، وقالت المعتزلة والجهمية والنجارية : إنّه سبحانه لا يرى بحال من الأحوال ، فسلك طريقة بينهما فقال : يرى من غير حلول ، ولا حدود ، ولا تكييف ، فكما يرانا هو سبحانه وتعالى وهو غير محدود ولا مكيّف ، كذلك نراه وهو غير محدود ولا مكيّف.
وكذلك قالت النجارية : إنّ الباري سبحانه بكلّ مكان من غير حلول ولا جهة وقالت الحشوية والمجسّمة : إنّه سبحانه حال في العرش وإنّ العرش مكان له ، وهو جالس عليه. فسلك طريقة بينهما فقال : كان ولا مكان فخلق العرش والكرسي ولم يحتج إلى مكان ، وهو بعد خلق المكان كما كان قبل خلقه ، وقالت المعتزلة : يده يد قدرة ونعمة ، وجهه وجه وجود ؛ وقالت الحشوية : يده يد جارحة ، ووجهه وجه صورة. فسلك طريقة بينهما فقال : يده يد صفة ، ووجهه وجه صفة ، كالسمع والبصر.
وكذلك قالت المعتزلة : النزول : نزول بعض آياته وملائكته ، والاستواء بمعنى الاستيلاء. وقالت المشبهة والحشوية : النزول : نزول ذاته بحركة ، وانتقال من مكان ، إلى مكان ، والاستواء : جلوس على العرش وحلول فيه. فسلك طريقة بينهما فقال : النزول صفة من صفاته ، والاستواء صفة من صفاته وفعل من أفعاله في العرش يسمّى الاستواء (١).
إلى غير ذلك من الموارد التي تصرّف فيها في المذاهب والمناهج وكوّن منها مذهباً.
ــــــــــــــــــ
١ ـ التبيين : ١٤٩ ـ ١٥٠.