يحارب الجمود والتقليد ، ويتآخى فيه العقل والشرع ، وتتحد فيه نتيجة البرهنة والتعبد.
ومن جراء هذه القلاقل لم يجد الآمدي بدّاً من مغادرة مصر إلى دمشق ، وعُيّنَ مدرساً بالمدرسة العزيزية ، ثمّ عزل عنها لبعض التهم الفكرية ، وأقام بطّالاً في بيته. وتوفي على تلك الحال سنة ٥٨١ ودفن بسفح جبل قاسيون. (١)
ويشهد لما ذكرنا من السبب ما نقله الذهبي عن سبط ابن الجوزي في حقّه : لم يكن في زمانه من يجاريه في الأصلين وعلم الكلام ، وكان أولاد « العادل » كلّهم يكرهونه لما اشتهر عنه من علم الأوائل والمنطق ، وكان يدخل على « المعظم » فلا يتحرك له ، فقلت : قم له عوضاً عني. فقال : ما يقبله قلبي. ومع ذا ولاّه تدريس العزيزية. فلمّا مات « العادل » أخرج « الأشرف » سيف الدين ونادى في المدارس : من ذكر غير التفسير والفقه أو تعرض لكلام الفلاسفة نفيته. فأقام السيف خاملاً في بيته إلى أن مات ودفن بقاسيون.
ولم يكن عمل « العادل » ولا « الشريف » نسيج وحدهما ـ بل لم يزل أهل التعقّل والتفكّر الذين كانوا صفاً كالبنيان المرصوص مقابل الملاحدة والزنادقة ـ مضطهدين مقهورين بيد الحنابلة والمتسمين بأهل الحديث ، وقد بلغ السيل الزبى في العصور السابقة على عصر الآمدي عندما تدخل الخليفة « القادر بالله » العباسي في اختلاف المعتزلة مع الحنابلة وأهل الحديث ، وأصدر كتاباً ضد المعتزلة يأمرهم بترك الكلام والتدريس والمناظرة ، وأنذرهم ـ إن خالفوا أمر هـ بحلول النكاية والعقوبة عليهم. وقد سلك السلطان « محمود » في غزنة مسلك الخليفة في بغداد ، فصلب المخالفين ونفاهم وأمر بلعنهم ، وقد اتخذ ذلك سنّة في الإسلام. (٢)
ففي الحقيقة ما صلبوا المعتزلة ، بل صلبوا العقل وأعدموه ، وأبعدوا الدين المبنية أُصوله على الأسس العقلية عن أساسه.
ــــــــــــــــــ
١ ـ وفيات الأعيان : ٣/٢٩٣ ـ ٢٩٤برقم ٤٣٢.
٢ ـ البداية والنهاية : ١٢/٦ ـ ٧.