بَدَأْنا أَوّل خَلْق نُعيدُهُ) (١).
وأمّا ما يتكلّم به المتكلّمون من أنّ الحوادث أوّلاً (٢) وردّهم على الدهرية أنّه لا حركة إلاّوقبلها حركة ، ولا يوم إلاّ وقبلها يوم ، والكلام على من قال : ما من جزء إلاّ وله نصف لا إلى غاية ، فقد وجدنا أصل ذلك في سنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حين قال : « لا عدوى ولا طيرة » فقال أعرابي : فما بال الإبل كأنّها الظباء تدخل في الإبل الجَربى فتجرب؟ فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « فمن أعدى الأوّل؟ » فسكت الأعرابي لمّا أفحمه بالحجة المعقولة.
وكذلك نقول لمن زعم أنّه لا حركة إلاّوقبلها حركة : لو كان الأمر هكذا لم تحدث منها واحدة ، لأنّ ما لا نهاية له لا حدث له ، وكذلك لما قال الرجل : يا نبي الله! إنّ امرأتي ولدت غلاماً أسود وعرض بنفيه ، فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : هل لك من إبل؟ فقال : نعم! قال : فما ألوانها ، قال : حمر ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « هل فيها من أورق؟ »قال : نعم! إنّ فيها أورق ، قال : « فأنّى ذلك؟ » قال : لعلّ عرقاً نزعه ، فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ولعل ولدك نزعه عرق ». فهذا ما علم الله نبيه من ردّ الشيء إلى شكله ونظيره ، وهو أصل لنا في سائر ما نحكم به من الشبيه والنظير.
وبذلك نحتج على من قال : إنّ الله تعالى وتقدّس يشبه المخلوقات ، وهو جسم ، بأن نقول له : لو كان يشبه شيئاً من الأشياء لكان لا يخلو من أن يكون يشبهه من كلّ جهاته ، أو يشبهه من بعض جهاته ؛ فإن كان يشبهه من كلّ جهاته وجب أن يكون محدثاً من كلّ جهاته ، وإن كان يشبهه من بعض جهاته وجب أن يكون محدثاً مثله من حيث أشبهه ، لأنّ كلّ مشتبهين حكمهما واحد فيما اشتبها له ، ويستحيل أن يكون المحدث قديماً والقديم محدثاً ، وقد
ــــــــــــــــــ
١ ـ الأنبياء : ١٠٤.
٢ ـ بياض في الأصل.