حد وجوب ذي المقدّمة موجبا لاستحقاق الثّواب والعقاب على الموافقة والمخالفة ، والوجوب الذي هو محل الكلام في المقام هذا النحو من الوجوب ، ولا قائل بوجوب المقدّمة كذلك سوى المحقق القمي (قدسسره) على ما ببالي فلو قلنا بوجوب المقدّمة أيضا لا يصح أن يجعل وجوبها داعيا على العمل ، إذ عرفت أن الوجوب الذي يجعل داعيا عليه غير هذا النّحو من الوجوب ، وعلى تقدير تسليم ذلك كلّه ، نقول : مضافا إلى أن الالتزام بهذا يقتضي الالتزام بأن جميع العبادات مركبة من أجزاء خارجية أركانيّة وجزء قلبي جناني ، وهذا كما ترى وبأن الأمر تعلق بما كان مركبا من جزء غير اختياري ، فإن فعل الصّلاة مثلا وإن كان اختيارا إلّا أن المفروض أن الأمر لم يتعلق بها بنفسها بل بها بداعي امتثال أمرها ، والدّاعي ليس إلّا الإرادة وهي غير اختيارية.
سلّمنا : أنّها اختياريّة في بعض الأحيان ، إلّا أنّها ليست كذلك مطلقا وإلّا لتسلسلت كما لا يخفى ، فلا بد أن ينتهي إلى ما لا بالاختيار ، فيلزم صحّة تعلّق الأمر بأمر غير اختياري ولو في بعض الأحيان ، وهذا غير ممكن ، والمقصود إثبات السّالبة الجزئيّة في مقابل الموجبة الكلّية أنّ الاتيان بجزء الواجب بداعي وجوبه ، إنّما يصح في ضمن إتيان الواجب بداعي وجوبه ، ولا يمكن الإتيان بالواجب الذي فرض كونه مركبا عن قصد الامتثال بداعي امتثال أمره ، لأن أحد أجزائه قصد الامتثال فهو لا يمكن إيجاده أيضا بقصد الامتثال.
إن قلت : أنّ ما ذكرت إنّما هو على تقدير وحدة الأمر ، وأمّا إذا كان أمران تعلق أحدهما بنفس الصلاة مثلا والآخر باتيانها بداعي أمرها فلا يلزم شيء من المحاذير ، فلنا أن نلتزم بأن الآمر لما رأى أنه لا يتمكن من أن يتوصل بتمام غرضه