انصرافا في كون الدّاعي ثبوت حقائقها في نفس المتكلّم لا داع آخر ، ولا نضايق عنه فإذا استعملت بلا قرينة حاليّة أو مقاليّة تحمل على ذلك ، وإن استعملت في غيره لاجل قرينة فهل هي مجاز أو حقيقة؟ فيه وجهان تقدم نظيرهما في صيغة الأمر لجريان نظير الوجهين المتقدمين فيها في هذه الصّيغ كما لا يخفى.
«المبحث الثّاني»
اختلفوا في أن صيغة الأمر هل هي حقيقة في خصوص الوجوب أو النّدب ، أو في الجامع بينهما ، أو في كلّ منهما على وجه الاشتراك اللّفظي أو في غيرهما أيضا على أقوال ، والأظهر هو الاوّل لتبادره وانسباقه إلى الذّهن عند إطلاقها وتجردها عن القرينة من أي متكلّم صدرت ، ولنا لو صدرت عن المولى استحق العبد على مخالفتها العقوبة والمؤاخذة عند العقلاء ولا يصحّ ولا يقبل منه الاعتذار باحتمال إرادة النّدب مع اعترافه بعدم نصب قرينة عليه من غير فرق بين اللغة العربيّة وسائر اللّغات ، فإن الظّاهر بل المقطوع به عدم اختلاف وضع الصيغ بحسب مدلولها الهيئي الذي هو محل الكلام في المقام باختلاف اللغات مع كونها مرادفات في المعنى كصيغة اضرب في العربيّة مع لفظة «بزن» في الفارسية مثلا ، والمتبادر منها في سائر اللّغات هو الوجوب ، كذلك في العربيّة وهو المدعى فإن استعملت في الكتاب أو السّنة بلا قرينة ولم يعلم أن المراد بها الإيجاب أو الاستحباب حملت على الايجاب ، لأصالة الحقيقة ، وشيوع استعمالها في لسان الشّارع كتابا وسنة في النّدب لا يوجب نقلها إليه أو حملها عليه أو التّوقف في ذلك على الخلاف في المجاز المشهور ، لكثرة استعمالها في الايجاب في كلمات الشّارع أيضا ، فإنه ليس إلّا كأحد من النّاس