لا يقال : لعل الوجه في ذلك هو أنّه يجب عقلا على العبد في مقام إطاعة المولى إذا كان متعلق أمره ذا وجوه وعناوين قصدية تعلق الأمر به لواحد منها كضرب اليتيم تأديبا لا تعذيبا أن يأتي بالمأمور به لوجهه وعنوانه الذي تعلق به الأمر تفصيلا أو إجمالا ، ومن الممكن أن يكون متعلق الأمر في العبادات ذا وجوه وعناوين تعلق الأمر به لواحد منها وهو غير معلوم لنا تفصيلا ، إلّا أنه لما قام الإجماع والضرورة على كفاية الإتيان بها بداع قربي مطلقا ، أمّا بداعي الأمر وامتثاله أو بداعي رجحانها وحسنها شرعا أو محبوبيتها له تعالى أو كونها ذات مصلحة ونحو ذلك من هذا أن ذلك الوجه والعنوان الذي تعلق الأمر به كلّما كان يتحقق بأي واحد من هذه الدّواعي القربيّة بلا تفاوت بينها أصلا فالإتيان بالواجب بأي واحد من الدّواعي إتيان به بوجهه وعنوانه الذي تعلق به الأمر إجمالا وإن لم يكن بمعلوم لنا تفصيلا.
لأنّه يقال : إنّما يصحّ هذا فيما لو كان المأمور به في نفسه ومع قطع النّظر عن الأمر ذا وجوه وعناوين تعلق الأمر به بواحد منها ، وما نحن فيه ليس كذلك ، فإن الإتيان بالواجب بداعي الأمر وبقصد امتثاله وإن كان من الوجوه المقربة ، إلّا أنه ليس على حد سائر الوجوه والدواعي القربية وفي عرضها ، فإنّه متأخر عن الأمر تكونه ناشئا عنه ، فلهذا لا يعقل أخذه في متعلق الأمر ، بخلاف سائر الدّواعي فإنّها بالعكس ، فلهذا يعقل أخذها في متعلق الأمر فليس حاله حالها وكم فرق واضح بينهما. هب أنّ الأوامر بالعبادات قضايا طبيعيّة وإنّه تكفي في صحة التّكليف وجود القدرة حال الامتثال لا حال التكلّف ، إلّا أنه مع هذا لا يعقل أخذ قصد الامتثال في متعلق الأمر لأن المكلّف وإن كان يتمكن بعد الأمر من الاتيان بنفس المأمور به