ولا تزاحم أصل ظهوره في ذلك الّذي هو ثابت بمقتضى ما ذكرناه من التعهد والالتزام يعني ظهوره في الإرادة التفهمية وكشفه عنها ، وعليه فلا ملازمة بين رفع اليد عن حجية الظهور لدليل ورفع اليد عن أصله ، بداهة انه لا ملازمة بين كون المعنى مراداً للمتكلم في مقام التفهيم وكونه مراداً له في مقام الواقع والجد ، فإذا افترضنا أن المولى في الواقع لا يريد في مثل قوله (أكرم كل عالم) الا إكرام العالم العادل دون غيره ، ولكن لم يتمكن من تقييده بذلك في نفس الكلام أما لوجود مفسدة فيه أو مصلحة في تأخيره من ناحية ولم يتمكن من تأخير بيان الحكم في الواقعة إلى زمان يتمكن من تقييده من ناحية أخرى فبطبيعة الحال يلقى الكلام على نحو العموم ، ومن المعلوم أنه بمقتضى الوضع يدل على إرادة تفهيم المعنى العام فإذا جاء بعد ذلك بالمخصص المنفصل الدال على اختصاص الحكم بغير افراد الخاصّ في الواقع ، فانه لا محالة يكشف عن ان الداعي إلى إرادة تفهيم المعنى العام ليس هو الإرادة الجدية الناشئة من ثبوت المصلحة في جميع أفراد العام في نفس الأمر بل الداعي لها شيء آخر.
وعلى الجملة فاللفظ بمقتضى تعهد الواضع والتزامه بأنه متى ما أراد معنى خاصاً أن يجعل مبرزه لفظاً مخصوصاً يدل على إرادة تفهيم معناه إذا كان المتكلم في مقام بيان ذلك ولم يأت بقرينة متصلة في الكلام ، وأما إذا لم يكن في مقام بيان ذلك بل كان في مقام عدّ الجملات مثلا أو كان في مقام البيان ولكنه أتى بقرينة متصلة فيه ففي مثل ذلك على الأول لا تعهد له أصلا ، لا بالإضافة إلى إرادة تفهيم المعنى الحقيقي ، ولا بالإضافة إلى إرادة تفهيم المعنى المجازي. وعلى الثاني فله تعهد بالإضافة إلى إرادة تفهيم المعنى المجازي دون الحقيقي. واما دلالة اللفظ على إرادة المعنى عن جد فهي دلالة أخرى غير الدلالة الأولى حيث ان الأولى مستندة إلى الوضع دون