القول بأن الله تعالى غير قادر على أن يغير ما جرى عليه فلم التقدير (تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً) حيث انه مخالف لصريح الكتاب والسنة وحكم العقل الفطري كما عرفت.
ومن المعلوم ان ذلك يوجب بأس العبد من إجابة دعائه وهو يوجب تركه وعدم توجهه إلى ربه في قضاء مهماته وطلباته.
إلى هنا قد استطعنا ان نخرج بالنتائج التالية :
الأولى : ان ما عن العامة من نسبة تجويز الجهل عليه سبحانه وتعالى إلى الشيعة باعتبار التزامهم بالبداء فقد عرفت انه افتراء صريح عليهم وان الالتزام بالبداء لا يستلزم ذلك ، بل هو تعظيم وإجلال لذاته تعالى وتقدس.
الثانية : ان العالم بأجمعه وبشتى اشكاله تحت سلطان الله تعالى وقدرته كما أنه تعالى عالم به بجميع أشكاله منذ الأزل ، وقد عرفت ان هذا العلم لا ينافي ولا يزاحم قدرته واختياره.
ومن هنا قلنا ان ما ذهب إليه اليهود من أن قلم التقدير والقضاء إذا جرى على الأشياء في الأزل استحال ان تتعلق المشيئة الإلهية بخلافه خاطئ جداً ولا واقع موضوعي له أصلا ، فان قلم التقدير والقضاء لا ينافي قدرته ولا يزاحم اختياره.
الثالثة : ان قضائه تعالى على ثلاثة أنواع : ١ ـ قضائه الّذي لم يطلع عليه أحد من خلقه. ٢ ـ قضائه الّذي اطلع بوقوعه أنبيائه وملائكته على سبيل الحتم والجزم. ٣ ـ قضائه الّذي اطلع بوقوعه أنبيائه وملائكته معلقاً على أن لا تتعلق مشيئته على خلافه ، ولا يعقل جريان البداء في القضاء الأول والثاني وانما يكون ظرف جريانه هو الثالث ، وهذا التقسيم قد ثبت على ضوء الروايات وحكم العقل الفطري.