كما إذا قال المولى (أكرم العلماء) ثم قال (لا تكرم الفساق منهم) وفرضنا أن مفهوم الفاسق مجمل ومردد بين فاعل الكبيرة فقط أو الأعم منه من فاعل الصغيرة فلا يكون إجماله مانعاً عن التمسك بعموم العام ، حيث ان ظهوره في العموم قد انعقد ، والمخصص المنفصل كما عرفت لا يكون مانعاً عن انعقاد ظهوره فيه ، وعليه فلا محالة يقتصر في تخصيصه بالمقدار المتيقن إرادته من المخصص المجمل ـ وهو خصوص فاعل الكبيرة فحسب وأما في المشكوك ـ وهو فاعل الصغيرة في المثال ـ فيما ان الخاصّ لا يكون حجة فيه ، لفرض إجماله فلا مانع من التمسك فيه بعموم العام حيث انه حجة وكاشف عن الواقع ، ولا يسرى إجمال المخصص إليه على الفرض.
وان شئت قلت : ان المخصص المنفصل انما يكون مانعاً عن حجية العام وموجباً لتقييد موضوعه في المقدار الّذي يكون حجة فيه ، فان لم يكن مجملا فهو لا محالة يكون حجة في تمام ما كان ظاهراً فيه وان كان مجملا كما في محل الكلام فهو بطبيعة الحال انما يكون حجة في المقدار المتيقن إرادته منه في الواقع دون الزائد حيث انه كاشف عن هذا المقدار فحسب دون الزائد عليه ، وعلى الأول فهو يوجب تقييد موضوع العام بالإضافة إلى جميع ما كان ظاهراً فيه وعلى الثاني فيوجب تقييده بالإضافة إلى المتيقن فحسب دون الزائد المشكوك فيه ، فانه لا يكون حجة فيه ، وعليه فلا مانع من الرجوع فيه إلى عموم العام حيث انه شامل له ، ولا مانع من شموله ما عدا كون الخاصّ حجة فيه وهو غير حجة على الفرض وعلى هذا الضوء ففي المثال المتقدم قد ثبت تقييد موضوع العام ـ وهو العالم ـ بعدم كونه فاعل الكبيرة واما تقييده بعدم كونه فاعل الصغيرة فهو مشكوك فيه فأصالة العموم في طرف العام تدفعه. فالنتيجة ان أصالة العموم رافعة لإجمال المخصص حكماً يعني لا يبقى معها إجمال فيه من هذه الناحية.