وقد تحصل مما ذكرناه ان نتيجة البداء الّذي تقول به الشيعة الإمامية وتعتقد به هي الاعتراف الصريح بأن العالم بأجمعه تحت سلطان الله وقدرته حدوثاً وبقاء وان مشيئة الله تعالى نافذة في جميع الأشياء وانها بشتى ألوانها بأعمال قدرته واختياره.
وقد تقدم الحديث من هذه الناحية في ضمن نقد نظريتي الجبر والتفويض هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى ان في الاعتقاد بالبداء يتضح نقطة الفرق بين العلم الإلهي وعلم غيره ، فان غيره وان كان نبياً أو وصياً كنبينا محمد صلىاللهعليهوآله لا يمكن أن يحيط بجميع ما أحاط به علمه تعالى وان كان عالما بتعليم الله إياه بجميع عوالم الممكنات إلا انه لا يحيط بما أحاط به علم الله المخزون المعبر عنه باللوح المحفوظ وبأم الكتاب حيث انه لا يعلم بمشيئة الله تعالى لوجود شيء أو عدم مشيئته الا حيث يخبره الله الله تعالى به على نحو الحتم.
ومن ناحية ثالثة ان القول بالبداء يوجب توجه العبد إلى الله تعالى وتضرعه إليه وطلبه إجابة دعائه وقضاء حوائجه ومهماته وتوفيقه للطاعة وإبعاده عن المعصية كل ذلك انما نشأ من الاعتقاد بالبداء وبان عالم المحو
__________________
ـ الخبر لفرض ان أخباره عن الوقوع للناس ليس على سبيل الحتم والجزم وانما كان على نحو التعليق ولا يتصف مثل هذا الخبر بالكذب إلا في فرض عدم الملازمة بين المعلق والمعلق عليه والمفروض ان الملازمة بينهما موجودة وبذلك يظهر ان حقيقة البداء عند الشيعة هي إلا بداء والإظهار وإطلاق لفظ البداء عليه مبنى على التنزيل وبعلاقة المشاكلة واسناده إليه تعالى باعتبار ان علمه منشأ لوقوعه وجريانه.
إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة وهي أنه لا مناص من الالتزام بالبداء بالمعنى الّذي ذكرناه على ضوء الروايات وحكم العقل.