الصلح ، لئلاّ يفتضح الشهود ، ويستر عليهم ، وكان رؤوفاً رحيماً عطوفاً متحنّناً على أُمّته صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإذا كان الشهود من أخلاط الناس غرباء لا يُعرَفون ، ولا قبيلة لهما ولا سوق ولا دار ، أقبل على المدّعى عليه وقال : ما تقول فيهما؟ فإن قال : ما عرفت إلاّ خيراً ، غير أنّهما قد غلطا فيما شهدا عليّ ، أنفذ عليه شهادتهما ، وإن جرحهما وطعن عليهما أصلح بين الخصم وخصمه ، أو أحلف المدّعى عليه ، وقطع الخصومة بينهما » (١).
احتجّ الوالد العلاّمة رحمهالله لما اختاره : بأنّ غلبة الظنّ كافية في معرفة العدالة لنفي الجرح ؛ إذ اشتراط القطع بها يؤدّي إليه غالباً ، فحسن الظاهر إن بلغ حدّاً يفيد غلبة الظنّ يجوز الاكتفاء به.
أقول : حقّ المحاكمة بين هؤلاء الفرق أن يقال : أمّا أخبار ظاهر الإسلام التي هي مستند القول الثاني فقد عرفت أنّ ما يمكن القول بدلالته منحصر في أربعة.
فلو أغمضنا عن البحث في دلالة الأول منها حيث إنّها تتضمّن استثناء الظنين الذي يشمل الفاسق كما دلّت عليه الأخبار ، فيكون المعنى : المسلم الغير الفاسق عدل ، يعني : أنّ من عُلِمَ أنّه مسلم غير فاسق ، وهذا غير مفيد للتمسّك به ـ نقول : إنّها معارضة مع رواية محمّد بن هارون المتقدّمة وهو ظاهر والمروي في تفسير الإمام ؛ حيث إنّه ظاهرٌ في كون الشهود مسلمين كما قيل (٢) بحكم التبادر ، وغلبة الإسلام في المتخاصمين عنده ، وشهودهم في زمانه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل صريح في ذلك ؛ لقوله
__________________
(١) تفسير العسكري عليهالسلام : ٦٧٣ ، ٣٧٦ ، الوسائل ٢٧ : ٢٣٩ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٦ ح ١.
(٢) انظر الرياض ٢ : ٣٩٠.