وعلى هذا ، فلا باعث لهم على ذلك الحمل وجعل فتواهم وروايتهم مخالفة للقاعدة المقطوع بها ، فإنّه قد تقرّر عندهم أنّ شهادة الشاهدين حجّة لكلّ أحد شهدا عنده لنفسه وإن لم يكن ثبوته عنده مفيداً للغير ، إلاّ إذا كان حاكماً ، وهو أيضاً حين الترافع إليه ، ولذا تصوم المرأة وتفطر بشهادة الشاهدين عندها بالهلال ، وكذا في التنجّس والتطهّر وغصبيّة الماء ، من غير حكم حاكم.
وحينئذٍ إذا شهد الشاهدان ثم رجعا لا يكون ما شهدا به ثابتاً عنده ؛ لأنّ القدر الثابت هو حجّيتها لكلّ أحد ما لم يرجعا ، وما دلّ على حجّيتها يدلّ على حجيّة رجوعهما أيضاً ، فبعد الرجوع يكون وجود الشهادة كالعدم ، فترجع المرأة إلى الزوج الأول ، بل وكذا لو كان معها حكم حاكم بدون منازعة واختلاف وترافع إليه ، فإنّ القدر المسلّم هو نفوذ حكمه وعدم جواز نقضه بعد الاختلاف والترافع ، وأمّا بدون ذلك فلا ، كما بيّنا مفصّلاً في عوائد الأيّام (١) ، ولذا ذهب الأكثر إلى عدم قبول حكمه بثبوت الهلال عنده ، وكذا أمثاله.
نعم ، يجب إنفاذ حكمه ولا يجوز نقضه مع النزاع والترافع ، وأين ذلك في كلام الشيخ وتابعيه وروايتهم؟! بل الظاهر خلاف ذلك كما ذكرنا.
فأقول : إن كان مراد الأولين ما هو ظاهر الشيخ وأتباعه والروايتين ، فأين القاعدة القطعية بل الظنيّة التي يخالفها؟! وأين القضاء المبرم أو غير المبرم؟!
وإن أرادوا ما كان بعد الحكم الصادر بعد الترافع فأين ذلك في كلام
__________________
(١) عوائد الأيام : ٢٨٠.