والكفّ والاجتناب عن الكبائر والقبائح ، وعدم الإخلال بالواجب ، فإنّ المتفاهم عرفاً من هذه العبارات إرادة ملكة هذه الأُمور.
فإنّ من قال : اشتر عبداً كاتباً قارئاً بشّاشاً ، لا يفهم منه إلاّ صاحب ملكات هذه الصفات لا نفس الفعل.
بل وكذا لو قال : اشتر عبداً ورعاً عفيفاً مجتنباً عن مخالطة الأراذل ، أو قال : لا تجالس إلاّ غير مخلّ بالواجب ، ونحو ذلك ، لا يفهم منه عرفاً غير ذي الملكات ، بل لولاه لكان المراد إمّا المتلبّس بهذه الآثار دائماً ، أو أغلبيّاً ؛ ضرورة عدم إرادة مجرّد التلبّس حال الشهادة.
والمتلبّس بها دائماً أو غالباً لا ينفكّ عن الملكة ؛ لأنّها مسبّبة عن تكرّر الآثار ، مع أنّا نعلم قطعاً أنّهم لا يعدّون مطلق الملبس بها ولو دائماً ، حتى الذي كان تلبّسه لأجل مانع من الترك ، كعدم التمكّن من شرب الخمر أو الزنا ؛ لعدم الانفكاك عمّن يراقبه ، أو عدم تركه الصلاة لأجل مخالطة الناس ، ولولاه لترك عادلاً قطعاً ، ما لم يكن ذلك من جهة نفسانيّة ، فيكون مرادهم ملكة هذه الآثار قطعاً.
نعم ، تختلف كلماتهم فيما تضاف إليه الملكة ، فمنهم من عبّر بملكة الورع (١) ، ومنهم من عبّر بملكة الاجتناب عن الكبائر والإصرار على الصغائر (٢) ، ومنهم من عبّر بملكة عدم الإخلال بالواجب وعدم ارتكاب القبائح (٣) ، ومنهم من عبّر بملكة التقوى (٤) ، إلى غير ذلك. ومرجع الكلّ إلى أمر واحد.
__________________
(١) قال المفيد في المقنعة : ٧٢٥ ، والعدل من كان معروفاً بالدين والورع عن محارم الله عزّ وجلّ.
(٢) كالشيخ حسن في معالم الأُصول : ٢٠١.
(٣) كالقاضي في المهذّب ٢ : ٥٥٦ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ١١٧.
(٤) كالعلاّمة في القواعد ٢ : ٢٣٦ ، والمقداد في التنقيح ٤ : ٢٨٩ والأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ٣٥١.