وعلى هذا ، فيكون تفسير العدالة بالملكة هو المشهور بين القدماء والمتأخّرين ، بل هو المجمع عليه بين الأُصوليين والفروعيين كافّة ، حتى من جعل ظاهر الإسلام دليلاً عليها.
ولو أبيت عن اتّفاقه أيضاً فلا شكّ أنّه لا يقدح في الإجماع ؛ لندرة القائل به ، فيكون كون العدالة الشرعيّة هي ملكة الآثار المذكورة ممّا انعقد عليه الإجماع أي أنّها هي إجماعاً وإن اختلفت كلماتهم في الجملة فيما تضاف إليه الملكة كما عرفت.
ولو أبيت عن ذلك أيضاً فنقول : لا شكّ ولا ريب في الإجماع على كونها عدالة ، بمعنى : أنّ ذا الملكة عادل إجماعاً أي تتحقّق له العدالة بأيّ معنى فُسّرت ـ فتكون هي القدر المشترك المجمع عليه قطعاً ، ويكون الكلام في غيرها أنّه هل تتحقّق العدالة الشرعيّة بدونها أيضاً أم لا؟
ولتحقيق المقام في ذلك المرام نقول : إنّ العدالة في اللغة : الاستواء والاستقامة ، والتوسّط بين طرفي الإفراط والتفريط. وقد تُطلَق على مقابل الجور.
وظاهرٌ أنّ معناها اللغوي لا يمكن أن يراد منها في المواضع التي جعلها الشارع شرطاً ، ولا خلاف في ذلك أيضاً ، فاللاّزم أن يمعن النظر في أنّه هل تثبت لها حقيقة شرعيّة أم لا؟
فإن ثبتت فهي المراد في كلام الشارع ، ولا حاجة إلى البحث عن المعنى الآخر ، إلاّ أن تقام قرينة في موضع أنّ المراد هنا غير الشرعي.
وإن لم تثبت فيجب البحث والفحص ثانياً في أنّه هل نصَّ الشارع أو أقام قرينة على أنّ المراد من العدالة فيما جعلها شرطاً أيّ شيء هو ، أم لا؟