إذ قول المرتهن بعت بعد الرجوع كلام أجنبي لا مدخلية له في الدعوى ، وإنما العمدة قوله لم تبع قبل الرجوع : فهو منكر ، والراهن مدعي.
ولا يرد أن مقتضي ذلك تحالفهما معا ، وفسخ البيع ، لان ذلك كذلك لو لم يكن لأحدهما أصل آخر يرجع اليه ، أما إذا كان وهو استصحاب الرهانة ، فالمنكر هو ، لموافقته للأصل ، والمدعي الراهن ، فيكون عليه البينة ، وعلى الأول اليمين.
وقد ظهر من ذلك كله أنه لا وجه لما قيل أو يقال من أن المتجه العمل بالأصلين ، أى أصلي بقاء الرهانة وصحة البيع ، فيحكم بكونه مبيعا وهو رهن ، إذ قد عرفت أنه لا أصل سالم فيقتضي الصحة ، على أن العمل بالأصلين في الموضع الواحد غير متجه في المقام ، ضرورة اقتضائهما حينئذ حكما فيه معلوما من الشرع خلافه ، وهو رهانة ملك الغير بغير إذنه ، وبقاء الرهانة مع صحة البيع المنافية لها ، المقتضية سقوطها وبالجملة هو واضح الفساد ـ
فبان أن كلام الأصحاب في محله ، بل هو كذلك ، لو شك المرتهن في نفسه أن رجوعه كان قبل البيع أو بعده ، بعد أن علمهما معا ، وكذا لو شك الراهن كذلك ، فإن الأصل بقاء الرهانة في الجميع ، فتأمل جيدا هذا.
وفي التذكرة عن بعض الشافعية « التفصيل بين ما لو قال الراهن أولا تصرفت بإذنك؟ ثم قال المرتهن : كنت قد رجعت قبله ، فالقول قول الراهن بيمينه ، وبين ما لو قال المرتهن أولا : رجعت عما أذنت ، فقال الراهن : كنت تصرفت قبل رجوعك ، فالقول قول المرتهن بيمينه ، لأن الراهن حينما أخبر لم يكن قادرا على الإنشاء.
وفي جامع المقاصد يقرب من ذلك ، ما لو تصادقا على صدور البيع ، ثم اختلفا في حال الرجوع أو تصادقا على صدور الرجوع ، ثم اختلفا في حال البيع ، أخذنا بالإقرار السابق.
قلت : لعل مبنى كلام بعض الشافعية ـ كما يومي إليه التعليل ـ على إنكار الراهن الرجوع قبل البيع المتفق عليه بينهما ف الأول ، من غير اعتراف بالرجوع بعده ، وعلى إنكار المرتهن البيع قبل الرجوع المتفق عليه بينهما في الثاني ، وهو