يسمعه أحد إلا ويتأثر به ، يقول الرواة : « إن السقائين الذين يمرون ببابه كانوا يقفون لاستماع صوته » (١).
ولا ريب أن الإمام السجاد (ع) لم يقرأ القرآن الكريم قراءة عابرة ، وإنما كان يتلو آياته بتدبر وإمعان ، ويتأمل تأملا هادئا بما انطوت عليه من كنوز الحكمة وأنوار المعرفة. وهو القائل (ع) : « آيات القرآن خزائن كلما فتحت خزانة ينبغي لك أن تنظر ما فيها » (٢).
وعندما يختم القرآن الكريم كان يدعو الله مبتهجا بهذا الدعاء الشريف :
« اللهم إنك أعنتني على ختم كتابك الذي أنزلته نورا وجعلته مهيمنا على كل كتاب أنزلته ، وفضلته على كل حديث قصصته ، وفرقانا فرقت به بين حلالك وحرامك وقرآنا أعربت به عن شرائع أحكامك ، وكتابا فصلته لعبادك تفصيلا ، ووحيا أنزلته على نبيك محمد صلواتك عليه وآله تنزيلا ، وجعلته نورا نهتدي من ظلم الضلالة والجهالة باتباعه ، وشفاء لمن أنصت بفهم التصديق إلى استماعه ، وميزان قسط لا يحيف (٣) عن الحق لسانه ، ونور هدى لا يطفأ عن الشاهدين برهانه ، وعلم نجاة لا يضل من أمّ قصد سنته ، ولا تنال أيدي الهلكات من تعلق بعروة عصمته. ويتابع دعاءه (ع) :
اللهم فإذا أفدتنا المعونة على تلاوته ، وسهلت جواسي (٤) ألسنتنا بحسن عبادته فاجعلنا ممن يرعاه حق رعايته ، ويدين لك باعتقاد التسليم لمحكم آياته ، ويفزع إلى الإقرار بمتشابهه ، وموضحات بيناته ، اللهم إنك أنزلته على نبيك محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وألهمته علم عجائبه مكملا ، وورثتنا علمه مفسرا ، وفضلتنا على من جهل علمه ، وقويتنا عليه
__________________
(١) أصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٦١٦.
(٢) المصدر نفسه ، ص ٦٠٢.
(٣) لا يحيف : لا يميل.
(٤) الجواسي : جمع جاسية وهي الغليظة والمراد غلاظ الألسنة.