والإسلام لم يحرم الطيبات إذا كانت من باب الحلال بل يبيحها للمسلمين دون إفراط ولا تبذير.
إن شهوة البطن إذا أرسل لها العنان فإنها تقود صاحبها إلى ارتكاب الموبقات وتفتح أمامه شهوة الجنس والشبق وهاتان الشهوتان الطعام والجنس يستتبعهما الرغبة في تحصيل المال والبحث عنه بشتى الطرق دون الالتفات إلى الحرام منه أو الحلال.
من هنا نستطيع أن نقدر حكمة الصوم التي بينها الإسلام على لسان الأئمة المعصومين. وندرك الأبعاد الحقيقية التي تجعل الصائم رقيق الشعور مرهف الحس تجاه الفقراء والمعوزين فيخفف عنهم آلامهم ويغدق عليهم من يده الكريمة لا يريد منهم لا جزاء ولا شكورا.
ثم إن المسلم لا يهتم بطعامه إلا ليقوى به على الحياة والعمل في خدمة نفسه وخدمة عباد الله ونشر العدل والحكمة في التوجه إلى الله تعالى. أما الملحد أو الكافر لا يهمه سوى بطنه وما يتغذى به من أشهى المأكولات. ولذلك نرى كيف ذم الله الكافرين وشبههم بالأنعام قال تعالى : ( إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ ) (١).
والإسلام أحل للإنسان الكثير من الطيبات وحرم عليه الخبائث ووضع له حدودا مرسومة لا يجوز له أن يتعداها. والذي حرمه الإسلام من الأطعمة والأشربة فإنما حرمه أما لخبثه أو لإفساده وإخلاله بالروح الإنسانية فأكل الميتة ولحم الخنزير وشرب الخمر وأنواع المسكرات والمخدرات كلها من المحرمات التي تتقزز النفس منها لما تجر على صاحبها من الضرر والمهانة.
__________________
(١) الحج ، الآية ٢٣.