تحتاج إلى الأشهاد ، فإذا علمت ذلك ، كنت بما استودعته سرا أوثق بما استودعته علانية ، وكنت جديرا أن تكون أسررت إليه أمرا أعلنته وكان الأمر بينك وبينه فيها سرا على كل حال ، ولم تستظهر عليه فيما استودعته منها بأشهاد الأسماع والأبصار عليه بها كأنها أوثق في نفسك لا كأنك لا تثق به في تأدية وديعتك إليه.
ثم لم تمنن بها على أحد لأنها لك فإذا امتننت بها لم تأمن أن تكون مثل تهجين حالك منها إلى من مننت بها عليه لأن ذلك دليلا على أنك لم ترد نفسك بها ولو أردت نفسك بها لم تمتّن بها على أحد ولا قوة إلا بالله .. ».
لقد رغب الإسلام بكل الصدقات والهبات والتبرعات والمسلم إذا عاش مع الناس بحاجاتهم وقضاياهم وتفاعل معهم عاطفيا وعمليا سوف يتحول إلى عنصر عطاء. والعطاء إذا خرج عن نفس طيبة يتحسس بآلام الناس وينفس عنهم كربتهم ويرفع عنهم عوزهم سوف يتحول العمل إلى عبادة تعادل الصلاة والصوم.
لذلك أكد الإمام على الصدقة واعتبرها ذخرا عند الله للمتصدق وهو إنما يقدمها لنفسه ، فإنه يجدها حاضرة يوم لا ينفع فيه لا مال ولا بنون.
كما أكد الإمام (ع) على ضرورة إعطاء الصدقة في السر ، وأن تكون خالية من المن لأن ثوابها يعود على منفقها ولا يضيع عند الله تعالى وهي لا تحتاج إلى الأشهاد ولا إلى الوثائق وكلما كانت سرا كانت أكثر ثوابا وأبعد عن الظهور والكبرياء ، أما إذا أعطيت جهارا وأمام الملأ من الناس فإنها تخرج عن هدفها المحدد لها وهو التوجه نحو الله والتماس رضاه. قال تعالى : ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (١).
__________________
(١) البقرة ، الآية ٢٦٢.