من كفافه ضعفه وذله حتى صيره رعية ، وصير حكمك عليه نافذا ، لا يمتنع منك بعزة ولا قوة ، ولا يستنصر في ما تعاظمه منك إلا بالله ، بالرحمة والحياطة والأناة (١) ، وما أولاك إذا عرفت ما أعطاك الله من فضله هذه العزة والقوة التي قهرت بها ، أن تكون لله شاكرا ، ومن شكر الله أعطاه فيما أنعم عليه ولا قوة إلا بالله .. » (٢).
نظر الإمام (ع) إلى الحكومات القائمة في عصره فرأى الطواغيت والفراعنة وأنصاف الآلهة الذين توصلوا إلى كرسي الحكم بالقوة والقهر فقتلوا ونهبوا وأجرموا وسجنوا دون وازع من دين أو رادع من ضمير ، لقد تجردوا من إنسانيتهم ولبسوا ثياب الذئاب الكاسرة وحكموا على أشلاء الناس وجماجم البشر فكان فرعون وهامان ويزيد وابن زياد والوليد والحجاج ... واليوم في عالمنا المعاصر يوجد أمثالهم ممن يسومون الناس بالذل والهوان ويحاسبونهم على التهمة والظن كل ذلك في سبيل الحفاظ على عروشهم ومصالحهم.
هؤلاء الطواغيت يدّعون الحكم باسم الإسلام ، والإسلام منهم بريء كل البراءة ، إنهم عبء على الإسلام والمسلمين ، تولوا عروشهم الدنيئة بمعونة أسيادهم المستعمرين ، والإسلام لا يعترف بشرعية حكمهم ولا يسمح للشعب أن يتقيد بما يأمرون وينهون.
على الحاكم في الإسلام أن يكون كالأب الرحيم على رعيته يرعاهم ويتفقذ شؤونهم ويعيش آمالهم وآلامهم ، عليه أن يتمثل بوصية أمير المؤمنين لمالك الأشتر عندما ولاه على مصر. جاء في الوصية : « وأشعر قلبك الرحمة للرعية ، والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن سبعا ضاريا تغتنم أكلهم ، فإنهم صنفان : إما أخ في الدين أو نظير لك في الخلق!
__________________
(١) الحياطة : الحماية والصيانة.
(٢) الأصح : مما أنعم عليه.