مرارتها وشاهد بعدها جميع الرزايا والمصائب التي توالت على أهل بيته من قبل الحكام الطغاة الذين تنكروا للقيم والأخلاق وجميع المبادىء الإسلامية وعاثوا فسادا في البلاد ولم يتركوا رذيلة واحدة إلا مارسوها بشتى أشكالها ومظاهرها ، في قصورهم الفخمة الأنيقة ونواديهم القذرة الفاجرة.
في هذا الجو المشحون بالظلم والقهر والفساد وجد الإمام الباقر (ع) وقد علمته الأحداث الماضية مع آبائه وأجداده خذلان الناس لهم في ساعات المحنة أن ينصرف عن السياسة ومشاكل السياسيين ومؤامراتهم إلى خدمة الإسلام ورعاية شؤون المسلمين عن طريق الدفاع عن أصول الدين الحنيف ونشر تعاليمه وأحكامه فناظر الفرق التي انحرفت في تفكيرها واتجاهاتها عن الخط الإسلامي الصحيح كمسألة الجبر والإرجاء التي روّجها الحكام لمصالحهم الشخصية. لقد فرضت عليه مصلحة الإسلام العليا أن ينصرف إلى الدفاع عن العقيدة الإسلامية فالتف حوله العديد من العلماء والكثير من طلاب العلم والحديث من الشيعة وغيرهم.
كان عالما عابدا تقيا ثقة عند جميع المسلمين ، روى عنه أبو حنيفة وغيره من أئمة المذاهب المعروفة (١).
جاء عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال : لقد أخبرني رسول الله بأني سأبقى حتى أرى رجلا من ولده أشبه الناس به وأمرني أن أقرأه السلام واسمه محمد يبقر العلم بقرا ، ويقول الرواة إن جابر بن عبد الله كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله ، وفي آخر أيامه كان يصيح في مسجد رسول الله يا باقر علم آل بيت محمد ، فلما رآه وقع عليه يقبل يديه وأبلغه تحية رسول الله (ص) (٢).
__________________
(١) راجع طبقات ابن سعد.
(٢) سيرة الأئمة الاثني عشر ، ص ١٩٨.