بناء على تقييده بما إذا كان مكيلا أو موزونا في زمن الرسول ـ فيما إذا لم يكن كذلك في الأزمنة المتأخّرة ، فيكون حرمة مثل تلك المعاملة مشكوكة ، ولا يمكن التمسّك للحرمة بإطلاقات أدّلة حرمة الربا ؛ لكونه من التمسّك بعموم العامّ في الشبهات المصداقيّة لنفس العام ، ومقتضى الأصل العملي هي البراءة بالنسبة إلى الحرمة ، ولكن بالنسبة إلى صحّة المعاملة وتأثيرها في النقل والانتقال ، فمقتضى الأصل عدم النقل والانتقال.
والذي يسهل الخطب أنّ ثبوت مثل هذا الإجماع غير معلوم ، فيكون مقتضى القواعد وجعل الأحكام على نحو القضايا الحقيقيّة هو أنّ موضوع الحرمة والفساد هو كونه مكيلا أو موزونا في وقت وقوع المعاملة.
ثمَّ إنّ ما ذكرنا من صحّة بيع المختلفين في الجنس وإن كانت في أحد العوضين زيادة وزنا أو كيلا أو عددا كمنّ من العدس مثلا بمنّين من الحنطة ، أو قفيز بقفيزين ، أو فرس ببقرين وأمثال ذلك فيما إذا كانت المعاملة نقدا. أمّا لو كانت نسيئة فربما يقال بعدم صحّته ؛ وذلك لقول الصادق عليهالسلام : « ما كان من طعام مختلف ، أو متاع ، أو شيء من الأشياء يتفاضل ، فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يدا بيد ، فأمّا نظرة فلا يصلح » (١).
وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « البعير بالبعيرين ، والدابّة بالدابّتين يدا بيد ليس به بأس » (٢) ولغير ما ذكرنا من الأخبار الأخر التي تركنا ذكرها ، وذلك لأنّ سياق كلّها سياق ما ذكرنا.
وأنت خبير بأنّ دلالة هذه الأخبار على ثبوت البأس فيما إذا كانت نسيئة بمفهوم الوصف بل اللقب ، وقد أشكلنا في الأصول (٣) في ثبوت المفهوم في أمثال المقام ، وعلى
__________________
(١) « الكافي » ج ٥ ، ص ١٩١ ، باب المعاوضة في الحيوان والثياب ، ح ٦ ؛ « الفقيه » ج ٣ ، ص ٢٧٩ ، باب الربا ، ح ٤٠٠٦ ؛ « تهذيب الأحكام » ج ٧ ، ص ٩٣ ، ح ٣٩٥ ، باب بيع الواحد بالاثنين وأكثر من ذلك ، ح ١ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٤٤٢ ، أبواب الربا ، باب ١٣ ، ح ٢.
(٢) « الفقيه » ج ٣ ، ص ٢٧٩ ، باب الربا ، ح ٤٠٠٧ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١٢ ، ص ٤٤٩ ، أبواب الربا ، باب ١٧ ، ح ١.
(٣) « منتهى الأصول » ج ١ ؛ ص ٤٣٥.