وأمّا إن كان صادقا في إنكاره ولم يكن عليه شيء ، لا في ذمّته ولا عنده عين مال المدّعي ، فحيث لا يكون شيء في البين يقع الصلح عليه ، فهذا الصلح صحّته يكون ظاهريّة ، ويجب ترتيب آثار الصحّة عليه ما لم ينكشف الحال وأنّ المدّعي دعوا كاذبة. كما هو الحال في جميع الأحكام الظاهريّة من مؤدّيات الأصول والأمارات ، حيث يجب ترتيب الآثار عليهما ما لم ينكشف الخلاف.
وعلى كلّ حال صحّة هذا الصلح مع الإقرار والإنكار إجماعيّ لا خلاف فيها عندنا ، غاية الأمر في الصورة الثانية أي صورة إنكار المدّعى عليه لا بدّ من القول بالتفصيل المتقدّم ، وأنّه إن كان صادقا في إنكاره فصحّة ذلك الصلح ظاهريّة لا واقعيّة ، ويجب على المدّعي ردّ ما أخذ بعنوان مال المصالحة ، ويكون ما أخذ من المقبوض بالعقد الفاسد ، فعليه الضمان ؛ لأنّ المقبوض بالعقد الفاسد يجري مجرى الغصب عند المحصّلين إلاّ في الإثم إذا كان جاهلا بالفساد فإنّه حينئذ لا إثم له وهو معذور.
هذا ما حكاه الشيخ الأعظم الأنصاري (١) عن ابن إدريس ، (٢) وكلامه هذا حسن وصحيح. ولا فرق في عدم صحّة الصلح واقعا بين أن يكون المدّعي كاذبا في تمام ما يدّعيه أو في بعضه ، مثلا لو كان المدّعي يدّعي أنّ الدار التي في يدك تمامها لي ، وفي الواقع نصفها له ونصفها الآخر لنفس ذي اليد ، فأنكر المدّعى عليه كون تمام الدار له ، ولم يكن له طريق لردّ دعواه الكاذبة في النصف الذي لا يملكه ، فاضطرّ للصلح معه على تمام الدار ، فهذا الصلح أيضا فاسد واقعا ويكون صحّته ظاهريّة ومن باب أصالة الصحّة والجهل بالحال ؛ ولذلك متى انكشف الحال وعلم أنّه كاذب في دعواه وأنّ تمام الدار له ، لا يجب ترتيب آثار الصحّة على هذا الصلح.
ثمَّ إنّ هاهنا كلاما : وهو أنّه هل يجب على المدّعي الكاذب ردّ تمام ما أخذ بعنوان مال المصالحة لفساد هذا الصلح ، أو ردّ نصف ما أخذ لصحّة الصلح بالنسبة إلى
__________________
(١) « المكاسب » ص ١٠٤.
(٢) « السرائر » ج ٢ ، ص ٣٢٦.