وقد يكون الخط والإمضاء دليلا على هذا ، كما أنّه يقال : إنّ العقود التي تقع بين الدول في معاملاتهم تتمّ بإمضاء من حوّل إليه الأمر من كلّ واحد من الطرفين ، وكذلك يقال : إنّ في عقد النكاح يكون وقوعه وإتمامه بإمضاء الطرفين.
وعلى كلّ حال ليس صرف العمل بمضمون العقد عقدا ، ما لم يكن دالاّ على هذا الالتزام ، من لفظ ينشأ به هذا المضمون ، أو فعل يدلّ على البقاء والالتزام بعد الرجوع عنه كوضع اليد في يد الآخر كما كان في باب البيعة ، أو ضرب اليد على يد الطرف الآخر كما في بعض أبواب المعاملات ، أو خطّ أو إمضاء كما ذكرناه.
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أنّهم قسّموا العقود على قسمين : عقود إذنيّة ، وعقود عهديّة. وما ذكرنا من دلالة العقد بالدلالة الالتزاميّة على الالتزام بالوفاء بمضمون العقد والبقاء عنده وعدم الرجوع عنه في العقود العهديّة دون الإذنيّة ؛ إذ العقود العهديّة عبارة عن العهد المؤكّد ، وأمّا العقود الإذنيّة فهي عبارة عن مجرّد إذن أحدهما للآخر في أمر من الأمور ، كالوكالة والعارية وأمثالهما ، وإنّما عبّر عنها بالعقد ؛ لوقوع الإذن بصورة الإيجاب ، ورضا الطرف بهذا الأمر بصورة القبول ، فيكون عقدا شكليّا ، لا عقدا واقعيّا ؛ ولذلك يكون إطلاق العقد عليها إطلاقا مجازيّا لا حقيقيّا.
فليس التزام من أحدهما بالوفاء والبقاء عند هذه المعاوضة والمبادلة في البين وقوامها بالإذن فقط ، فإذا فسخ وارتفع الإذن فلا يبقى شيء في البين كي يقال يجب الوفاء به والبقاء عنده ، فخروج هذه العقود من أصالة اللزوم أو من قوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) بالتخصّص ، لا بالتخصيص كي يقال بأنّه يلزم في الآية أو ذلك الأصل تخصيص الأكثر. وأمّا العقود العهديّة فيشملها أصالة اللزوم ، وكذلك ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) يشمل كلّها.
وفرّق شيخنا الأعظم قدسسره (١) في العقود العهديّة بين التعليقيّة والتنجيزيّة ، فاستشكل
__________________
(١) « المكاسب » ص ٨٥.