سنذكر أدلّته إن شاء الله.
وبعبارة أخرى : يرى العرف والعقلاء أنّ من التزم لشخص بشيء ، فقد جعل ذمّته مشغولة له بذلك ، إذا كان هذا الالتزام في ضمن عقد وعهد ، لا أن يكون التزاما بدويّة ، وإن كان منشأ بنفس مادّة الالتزام ، بأن يقول : التزمت لك بذلك ؛ لأنّ الالتزامات البدويّة التي ليست في ضمن عقد وعهد تحسب وعدا ابتدائيّا ، ولا شكّ في حسن الوفاء به ، وأمّا وجوبه ولزوم الوفاء به عند العقلاء أو الشرع ، فيحتاج إلى دليل مفقود في المقام ، ولعلّه نتكلّم فيها إن شاء الله تعالى.
ولعلّ هذا مراد شيخنا الأستاذ قدسسره حيث يقول : كلّ واحد من الطرفين مالك لالتزام الآخر ، فإذا أسقط ملكيّته بمعنى حقّه ، فقهرا يكون من عليه الحقّ مخيّرا في البقاء وعدم الرجوع عمّا التزم به ، وفي عدم البقاء عند التزامه والرجوع عمّا التزم به ، فلا بدّ من أن يكون مراده من ملكيّة الطرف لالتزامه ثبوت هذا الحقّ له ، لا ثبوت الملكيّة الاعتباريّة الشرعيّة الذي هو حكم وضعيّ كالطهارة والنجاسة ، وإلاّ لم يكن قابلا للإسقاط ، فلا تكون الإقالة على القاعدة ، وتحتاج إلى دليل على صحّتها وجريانها ، إمّا عامّا وفي جميع العقود ، أو في مورد خاصّ. وقد تقدم أنّها على القاعدة ، وتجري في جميع العقود.
فظهر ممّا ذكرنا أنّ لزوم العقد وعدم جواز حلّه من كلّ واحد من الطرفين منفردا منشأه بناء العقلاء على لزوم الوفاء وعدم نفوذ فسخه والرجوع عمّا التزم به وتعهّد ، والشارع الأقدس لم يردعهم عن ذلك ، بل أمضى هذه الطريقة بقوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) وبسائر الأدلّة التي نذكرها إن شاء الله تعالى.
وأمّا أنّ العقدة التي تحصل من تعهّد الطرفين الذي هو العقد ، حيث أنّها أمر وحداني وحاصلة من فعل الطرفين ، فليس لأحدهما إزالة تلك العقدة ؛ لأنّه لا سلطان له على فعل الغير وإزالته.