العمل بمقتضاه عقلا موقوف على بقائه ، فإذا ارتفع لا يبقى موضوع لهذا الحكم.
وفيه أوّلا : ما ذكرنا أنّ هذه العبارة ، أي وجوب الوفاء بكلّ عقد في كلّ زمان مساوق في المتفاهم العرفي مع القول بأنّ كلّ عقد لازم لا يمكن ـ أو لا يجوز ـ حلّه ونقضه.
وثانيا : الظاهر من قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ليس المراد به وجوب الوفاء بما عقد عليه وتعهّد به ، كي يكون معناه وجوب العمل بمقتضاه ، بل المراد به وجوب الوفاء بنفس عقوده وعهوده وأن لا ينقض عقده وعهده ، فابتداء الواجب التكليفي هو البقاء على عهده وعدم الرجوع عن التزامه ، لا وجوب العمل بما التزم به ، نعم وجوب العمل بما التزم به من آثار البقاء على عهده وحفظ تعهّده والتزامه.
فبناء على ما ذهب إليه الشيخ الأعظم الأنصاري قدسسره (١) من انتزاع الحكم الوضعي من الحكم التكليفي ، فينتزع اللزوم قهرا من هذا الوجوب التكليفيّ ، أي وجوب البقاء على تعهّده والتزامه وحرمة نقضه وحلّه.
وهذا الكلام ، أي انتزاع الحكم الوضعي عن الحكم التكليفي وإن كان لا أساس له عندنا ، وأثبتنا فساده في الأصول ، وبيّنّا في كتابنا « منتهى الأصول » (٢) أنّ بعض الأحكام الوضعيّة كالطهارة والنجاسة والملكيّة والزوجيّة وأمثالها مستقلاّت في الجعل وليست منتزعة من الأحكام التكليفيّة ، بل هي موضوعات لها ، فيكون الأمر بالعكس ، أي يكون الحكم التكليفيّ من آثار الحكم الوضعي ، فتكون حرمة الاستعمال فيما هو مشروط بالطهارة أو الشرب من آثار النجاسة ، وكذلك الأمر في الملكيّة والزوجيّة وغيرهما.
ولكن هاهنا لا نحتاج إلى الالتزام بأنّ وجوب الوفاء بالعقود حكم تكليفي ينتزع
__________________
(١) « فرائد الأصول » ج ٢ ، ص ٦٠١.
(٢) « منتهى الأصول » ج ٢ ، ص ٣٩٥.