وأعجب من هذا ما نسب إلى شيخنا الأعظم الأنصاري (١) ـ قدّس الله روحه ـ من تصحيح الاستصحاب التعليقيّ بإرجاعه إلى استصحاب الملازمة.
ويرد عليه أوّلاً : أنّ الملازمة بين الشيئين حكم عقليّ أزلي ، ليس قابلا للجعل الشرعي ، وهو قدسسره اعترف بذلك وقال بأنّ الملازمة وكذلك السببيّة لا يمكن أن يكونا مجعولين بالجعل الشرعي ، فالقول باستصحاب الملازمة مناقض مع ذكره في الأحكام الوضعيّة من عدم إمكان جعل الملازمة والسببيّة.
وذلك من جهة أنّ المستصحب لا بدّ وأن يكون إمّا من المجعولات الشرعيّة بنفسه ، أو يكون له أثر مجعول كي يكون قابلا للتعبّد ببقائه ، والسرّ في أنّ الملازمة ليست قابلة للجعل الشرعي أمّا في المقام ، فمن جهة أنّ فرض عدم الملازمة بين الحكم وموضوعه يرجع إلى جواز الانفكاك بينهما ، وهذا خلف ، أي يكون خلاف فرض كونهما موضوعا وحكما ، وهذا مناقضة ومحال.
فالعقل ينتزع الملازمة من كون الانفكاك بين شيئين محالا ، سواء كان بين العلّة والمعلول ، أو الحكم والموضوع ، أو بين معلولي علّة واحدة المسمّى بالمتلازمين ، فإذا كان الأمر كذلك ، فلا يبقى مجال للجعل الشرعي ، بل لا يمكن ؛ لأنّ انتزاعه قهريّ ، ويكون من لوازم الذات التي لا يتطرّق الجعل إليها مطلقا ، لا تكوينا ولا تشريعا ، كالإمكان بالنسبة إلى الممكنات ، والشيئيّة بالنسبة إلى الأشياء.
وثانيا : على فرض أن تكون الملازمة من المجعولات الشرعيّة ، تكون بين تمام الموضوع وحكمه ، فإنّها لا ينفكّان. وأمّا جزء الموضوع مع جزئه الآخر مع الحكم فليسا بمتلازمين ، بل لا بدّ من الانفكاك بينهما ، وإلاّ يلزم الخلف ، أي يلزم ما فرضته جزء الموضوع أن يكون تمام الموضوع.
ففي المثال المفروض الملازمة بين العنب المغلي مع الحرمة والنجاسة ، وأمّا العنب
__________________
(١) « فرائد الأصول » ج ٢ ، ص ٦٥٤.