موارد أخر ، وموضوع هذا الاعتبار عند العقلاء إمّا الأعيان التي تحتاج إليها الناس للأغراض التي عندهم ، أو منافع تلك الأعيان. وأمّا الانتفاع بتلك المنافع فجوازه وعدم جوازه من آثار ملكيّتها وعدم ملكيّتها ، وإلاّ فنفس الانتفاع ليس قابلا لاعتبار الملكيّة فيه ، فلا يصحّ أن يقال بأنّها تمليك الانتفاع بالشيء الذي يعطيه.
اللهمّ إلاّ أن يراد بالتمليك التسليط ، لا ذلك الأمر الاعتباري المذكور ، فيكون المراد به هو التعريف الثاني ، أي التسليط على الانتفاع.
وقد ورد التمليك بهذا المعنى في الكتاب العزيز في قوله تعالى ( لا أَمْلِكُ إِلاّ نَفْسِي وَأَخِي ) (١). وعلى كلّ حال تعريفها بأنّه عقد ثمرته التبرّع بالمنفعة ـ كما عن المحقّق في الشرائع (٢) ، وغيره في غيره ـ لا يخلو من تأمّل ؛ لأنّه أوّلا المتعارف والمتداول بين الناس في باب العارية هو إعطاء شيء يصحّ الانتفاع به لغيره أنّ ينتفع به ، من دون عقد وتعهّد بينهما ، فليس عقد في البين. وأمّا إعطاؤه بعد العقد بإيجاب من قبل المعير وقبول من طرف المستعير يكاد أن لا يوجد ، لأنّ المتعارف بين العقلاء غير هذا المعنى.
فهو التسليط مجانا وبلا عوض على العين التي لها منفعة لكي ينتفع بها مع بقاء نفسها ، فلا يصدق العارية على المأكولات والمشروبات التي يكون الانتفاع بها بإتلافها ، أي أكلها وشربها.
نعم لو كانت لها منفعة غير الأكل والشرب كما قد يتّفق ، بل المتعارف في بعض البلاد يزينون مجالسهم التي تنعقد لأجل عقد القرآن بين الزوجين بأنواع الفواكه والحلويّات والشرابت من دون أكلها وشربها ، فلا بأس حينئذ بإعارتها كما أنّه لا بأس بإجارتها كذلك.
ثمَّ إنّه لا بدّ وأن يكون الانتفاع بمنافع العين المعارة محلّلة ، فإن كان كلّ منافعه
__________________
(١) المائدة (٥) : ٢٥.
(٢) « شرائع الإسلام » ج ٢ ، ص ١٣٥.