والدليل على صحّة المذكورات هي العمومات وإطلاقات أدلّة الصلح ، فقد تقدّم أنّ الصلح عبارة عن التسالم والموافقة على أمر بشيء ، سواء كان ذلك الأمر عينا أو دينا أو منفعة أو حقّا على نقل هذا الأخير أو إسقاطه ، وحيث أنّ كلّ حقّ قابل للإسقاط حتّى عرّف بذلك مقابل الحكم ، فإنّه غير قابل للإسقاط ؛ فكلّ حقّ قابل لأن يقع الصلح عليه ، سواء كان على نقله أو على إسقاطه.
وعمومات الصلح وإطلاقاته كقوله ( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) ، وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « الصلح جائز بين الناس إلاّ صلحا أحلّ حراما أو حرّم حلالا » يشمل جميع ما يقع التسالم والتوافق عليه ، ولو كان إسقاط حقّ أو نقله فيما كان قابلا للنقل ؛ إذ بعض الحقوق غير قابل للنقل ، كحقّ البضع والمضاجعة وأمثالهما من الحقوق القائمة بشخص خاصّ.
هذا إذا علم أنّه قابل للنقل ، وأمّا إذا شكّ في أنّه قابل للنقل ، فهل يصحّ الصلح على نقله ، أو يحتاج إلى الإحراز؟
الظاهر عدم الصحّة ولزوم الإحراز ؛ وذلك من جهة أنّه لا بدّ من إحراز مشروعيّة متعلّقه ؛ وذلك للاستثناء الذي في قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إلاّ صلحا أحلّ حراما » فبعد هذا الاستثناء يقيد موضوع ما هو جائز ونافذ بالصلح على أمر مشروع ، فإذا شككنا أنّ الحقّ الفلاني مشروع نقله أم لا ، فلا يجوز التمسّك لجوازه ونفوذه بإطلاقات أدلّة الصلح.
فلو شككنا في أنّ حقّ السبق في الوقف في الأوقاف العامّة ـ كما إذا سبق شخص إلى مكان في أحد المساجد ، أو في الحرم الشريف ، أو إلى مكان في خانات الوقف بين الطرق على المسافرين ، أو غير ذلك ـ هل قابل للنقل أم قائم بشخص السابق ، فالصلح على نقل مثل ذلك الحقّ مشكل ، ولا يشمله عمومات وإطلاقات أدلّة الصلح لمكان ذلك الاستثناء. نعم لا مانع من وقوع الصلح على إسقاط كلّ حقّ بناء على أنّ كلّ حقّ قابل للإسقاط ، فالإسقاط خاصّة شاملة للحقّ.