أنّها صارت شعارا للإماميّة ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ ويعرفها نساؤهم وصبيانهم ، بل هم ـ أي أهل الكتاب ـ يعرفون هذه الفتوى منهم.
فمع هذا الإعراض لا يبقى وثوق بصدور هذه الروايات ، أو وإن كانت صادرة فليست لبيان حكم الله الواقعي ، بل صدرت تقيّة وخوفا من اشتهارهم بمذهب خاصّ وطريقة مخصوصة على خلاف سائر الفقهاء ، ولخوف الأئمّة عليهمالسلام من أن يكون لهم ولأصحابهم مسلك خاصّ في الفقه وفتاوى مخصوصة بهم عليهمالسلام ولذلك كانوا يلقون الخلاف بين أصحابهم كي لا يتميّزون ولا يعدّون طائفة خاصّة منسوبين إليهم عليهمالسلام.
والسرّ في ذلك : عدم خوف الفقهاء من التفرّد في الفتوى ، لأنّ سلاطين الوقت قد علموا بأنّهم لا يدّعون الإمامة والخلافة ، ولم يكونوا في معرض هذا الأمر ، ومراجعة الناس إليهم كان صرف تقليد لهم في المسائل الشرعيّة والأحكام الدينيّة ، بخلاف الأئمّة عليهمالسلام فإنّهم كانوا في معرض هذا الأمر ، ورجوع الناس إليهم لم يكن بعنوان تعلّم الحكم الشرعي والمسألة الفقهيّة فقط ، بل كان بعنوان أنّهم أئمّة معصومون مفترضوا الطاعة ، ولذلك كانوا يخافون من التفرّد في الفتوى ، والتميّز عن فتاوى سائر الفقهاء.
إذا عرفت ذلك ، فنقول : في كلّ مورد كان أصحابنا القدماء متّفقين على فتوى مخالفا لفتاوي سائر الفقهاء ، وصدرت عنهم عليهمالسلام أخبار موافقة لفتاوي سائر الفقهاء ، فليست تلك الأخبار حجّة وإن كانت معلوم الصدور ، فضلا عمّا لا يكون كذلك ، لأنّ أصالة جهة الصدور أصل عقلائي ، والدليل على حجّيتها بناء العقلاء ، إذ بناء العقلاء على أنّ كلّ متكلّم إذا تكلّم بكلام يكون بصدد بيان مراده ومقصوده ، وتشخيص مراده من كلامه يكون بأصل عقلائي آخر ، وهو أصالة الظهور.
ولكن في مثل المقام لا تجري ذلك الأصل العقلائي ، أي : أصالة جهة الصدور ، وذلك من جهة أنّه بعد ما علم أنّ المتكلّم يخاف من التفرّد والتميّز ، فلو تكلّم بكلام