لغالب أهل البرهان والتحقيق ، فضلا عن العوام ، فلا يوجب كفرا قطعا.
وإمّا حقيقة واحدة ، ولكن لها مراتب متفاوتة بالكمال والنقص ، والشدّة والضعف ، فوجود كلّ شيء من الأشياء غير وجودات الآخر ، ولكن الجميع سنخ واحد ، والاختلاف بينها باختلاف المراتب ، غاية الأمر أنّ وجود الواجب تعالى المرتبة غير المتناهية غير المحدودة بحدّ مطلقا حتّى الحدّ الذهني والعقلي ، لأنّ « كلّ ما ميزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه فهو مخلوق لكم مردود إليكم » (١) وليس هو الواجب.
فالقول بالوحدة السنخيّة مع تعدّد الوجودات واقعا وخارجا لا إشكال فيه من ناحية العقائد الدينيّة ، فإن كان فيه إشكال فهو من حيث البراهين والأدلّة العقليّة ، وأنّ التشكيك في الذاتيّات هل يمكن ، أولا يمكن.
وبناء على هذا القول في عين الكثرة العدديّة والفرديّة وحدة ، وهي المعبّر عنها بالوحدة السنخيّة ، وفي عين الوحدة كثرة فرديّة ، وهي المعبّر عنها بالكثرة العدديّة أو الفرديّة.
وإمّا حقيقة واحدة ووجود واحد وموجود واحد لا تعدّد في الوجود أصلا ، ويظهر ذلك الوجود الواحد في المظاهر والمجالي المتعدّدة ، وكلّ واحد من هذه المظاهر والمجالي وجوده نفس ذلك الوجود الواحد وليس شيء غيره ، فيصحّ أن يقول ذلك المظهر والمجلى باعتبار وجوده أنا هو.
وحيث أنّ ذلك الوجود الواحد هو الله ، والمظاهر والمجالي هي الممكنات والمخلوقات قاطبة ، فكلّ واحد من الممكنات بالنظر إلى وجوده هو الله جلّ جلاله ، العياذ بالله من هذه الأباطيل التي ينكرها العقل والنقل ، وجميع الشرائع والأديان الحقّة.
__________________
(١) « بحار الأنوار » ج ٦٦ ، ص ٢٩٣ ، باب صفات خيار العباد وأولياء الله ، ذيل ح ٢٣ ، وفيه « كلّما ميّزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم ».