اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّه ليس المراد هو صرف انتهائهما إلى أصل واحد وإن كانا متباينين في أغلب الجهات ، بل المراد أن يكونا بنظر العرف حقيقة واحدة ومن سنخ واحد ، بحيث يحكم العرف باتّحادهما وكونهما من جنس واحد ، وإن اختلفا في بعض الخواصّ والآثار ؛ فالدهن والزبد مثلا حقيقة واحدة ؛ لأنّ الدهن عبارة عن الزبد المذاب وإن كانا مختلفين في كثير من الخواصّ والآثار ، وكذلك الأقط واللبن.
وبعبارة أخرى : المشتقّات من حقيقة واحدة تعدّ في نظر العرف سنخا واحدا ، وإن كانت مختلفة في خواصّها وآثارها ، فالدبس والتمر مثلا عند العرف حقيقة واحدة.
نعم هذا الاتّحاد في بعض ما يرجع إلى أصل واحد أظهر ، وفي بعضها أخفى ، بل ربما يتخيّل العرف أنّهما حقيقتان مختلفان لو لا تنبيه الشارع بذلك وأنّهما من أصل واحد ، كما نبّه بذلك في اتّحاد جنس الشعير والحنطة فيما رواه الصدوق بإسناده أنّ عليّ بن أبي طالب عليهالسلام سئل ممّا خلق الله الشعير؟ فقال : « إنّ الله تبارك وتعالى أمر آدم أن ازرع ممّا اخترت لنفسك ، وجاءه جبرئيل عليهالسلام بقبضة من الحنطة ، فقبض آدم عليهالسلام على قبضة وقبضت حوّاء على أخرى ، فقال آدم عليهالسلام لحوّاء : لا تزرعي أنت ، فلم تقبل من آدم فكلّما زرع آدم جاء حنطة ، وكلّما زرعت حوّاء جاء شعيرا » (١).
فما هو التحقيق في المقام هو أن يقال : إنّ المناط في كونهما من المتماثلين هو أن يكونا من نوع واحد بنظر العرف ، وإن كانا مختلفين بحسب الجودة والرداءة ، وكانا من صنفين ، أو كانا فرعين ومشتقّين من حقيقة واحدة ، كالدبس والخلّ ، حيث أنّهما مشتقّان من التمر أو العنب ، أو كانا فرعا مع أصله كالخبز مع الحنطة ، وهذا القسم الأخير يكون من المتماثلين فيما إذا لم يتبدّل الأصل إلى حقيقة أخرى بذهاب صورته النوعيّة واستحالته إلى نوع آخر كاللحم إذا تبدّل إلى الملح.
ثمَّ إنّه لا يخفى أنّ الفرعين من الحقيقتين ربما يشتركان في الاسم ، بل ربما يكونان
__________________
(١) « علل الشرائع » ج ٢ ، ص ٥٧٤ ، ح ٢ ؛ « مستدرك الوسائل » ج ١٣ ، ص ٣٤٤ ، أبواب الربا ، باب ١٧ ، ح ٢.