وفيه : ان مصلحة الصوم اذا فرض حدوثها من حين رؤية الهلال فمن المناسب توجيه الوجوب من حين الرؤية وعدم تأخيره الى طلوع الفجر ، فان توجيه الوجوب يتبع ثبوت المصلحة ، فمع فعلية المصلحة من حين الرؤية فالمناسب توجهيه من حينها ايضا دون ان يلزم محذور اللغوية ، بل يمكن ان نضيف ان ثبوت الوجوب من حين الرؤية له بعض الفوائد ، فلو كان ثابتا قبل طلوع الفجر كان محركا للمكلف نحو تحصيل مقدمات الصوم ، فمثلا من جملة مقدماته الغسل من الجنابة ، فاذا لم يكن الوجوب ثابتا قبل الفجر يرد اشكال يقول لا وجه لوجوب الغسل قبل الفجر ما دام وجوبه مقتبسا من وجوب الصوم ، واذا اريد الاتيان بالغسل من حين طلوع الفجر لزم فوات الصوم ، فالاتيان به قبل الفجر لا وجه لوجوبه وبعده مفوت للصوم ، وهذا الاشكال يسمى باشكال المقدمات المفوتة. وانما سمي بذلك باعتبار ان الغسل اذا لم يؤت به قبل الفجر فات الصوم. والاشكال مندفع بناء على ثبوت وجوب الصوم قبل الفجر ، اذ يقال انما وجب الغسل قبل الفجر لثبوت وجوب الصوم آنذاك ، واما بناء على عدم ثبوته قبل الفجر فالاشكال يبقى بحاجة الى جواب آخر (١).
٢ ـ ان حقيقة الوجوب (٢) ليست هي الا التحريك ، فحقيقة الامر بالصوم هي التحريك نحو الصوم ، ولكن ليس المقصود هو التحريك الفعلي فانه باطل بالوجدان ، اذ امر « صم » ليس محركا للمكلّف تحريكا فعليا والا يلزم عدم وجود عاص على وجه الارض ، لان الامر اذا كان يحرك تحريكا فعليا للصوم عاد الكل
__________________
(١) قد يقال : ان الوجه في وجوب الغسل قبل الفجر هو دلالة الروايات على ذلك. وفيه : انا نوجه السؤال الى نفس الروايات ونقول كيف اثبتت الوجوب للغسل قبل الفجر بعد ما كان وجوب الصوم يبتدأ من حين طلوع الفجر
(٢) وقد ذكر هذا في الكتاب بعنوان الاعتراض الاول