ان الكذب لا ينبغي فعله ثبتت بعد ذلك صفة القبح له ، فصفة الحسن والقبح لا وجود لها في عالم الواقع قبل خلق العقلاء بل ينسب الى ابن سينا انه كان يقول ان حسن العقل وقبح الظلم حكمان من العقلاء يتولدان نتيجة آداب وعادات اجتماعية معينة بحيث لو فرض ان الانسان خلق وحيدا ولم يعش تلك العادات والآداب لما ادرك بعقله حسن العدل وقبح الظلم.
وهناك رأي ثان يقول : ان صفة الحسن والقبح من الصفات الواقعية الثابتة في الواقع بقطع النظر عن العقلاء ، فكما ان استحالة اجتماع النقيضين هي من القضايا الواقعية الثابتة في الواقع حتى قبل وجود العقلاء كذلك حسن الصدق وقبح الكذب مثلا (١).
والصحيح هو الرأي الثاني كما تأتي البرهنة عليه. وبناء عليه قد يقال : ما هو الفرق اذن بين الحكم النظري والحكم العملي بعد عدّ صفة الحسن والقبح من الصفات الثابتة في عالم الواقع كصفة استحالة اجتماع النقيضين.
والجواب : ان صفة الحسن والقبح وان كانت صفة واقعية الا انها ترتبط بجنبة العمل ، بل ان جنبة العمل مستبطنة فيها ، فحينما يقال هذا حسن يعني فعله وحينما يقال هذا قبيح يعني فعله ، وهذا بخلاف صفة استحالة اجتماع النقيضين فانها لا تستبطن ذلك ، وبناء على هذا فالفارق بين الحكم العملي والحكم النظري هو ان الحكم العملي حكم متعلق بصفة واقعية يستبطن مفهومها جنبة العمل بينما الحكم النظري حكم متعلق بصفة واقعية لا يستبطن مفهومها ذلك.
٣ ـ قلنا ان الحكم النظري هو الحكم المتعلق بصفة واقعية لا يستبطن
__________________
(١) وهذا البحث بحث مستقل يغاير البحث عن ان مثل عنوان الصدق والايثار وغيرهما هل هو علة للحسن او مقتض لذلك او ليس بعلة ولا مقتض