العقلاء كصفة استحالة الدور مثلا بحيث ان العقلاء بحكمهم بالحسن والقبح يكشفون عما هو ثابت في عالم الواقع دون ان يثبتوا شيئا لم يكن فيه او انها صفة تثبت بحكم العقلاء ، فحينما يحكم العقلاء بان الشيء ينبغي فعله يثبت الحسن وحينما يحكمون بانه ينبغي تركه يثبت القبح. وطبيعي حكمهم بالحسن والقبح ليس عبثا وبلا نكتة بل ناشىء من ادراكهم للمصلحة والمفسدة ، فلأجل ادراكهم وجود المصلحة في الصدق يحكمون بحسنه ولادراكهم وجود المفسدة في الكذب يحكمون بقبحه.
وباختصار : الحسن والقبح على هذا الاتجاه حكمان مجعولان من قبل العقلاء كسائر الاحكام المجعولة من قبلهم مثل حكمهم بوجوب اقامة العزاء على الميت غاية الامر حكمهم بحسن الصدق وقبح الكذب مثلا حكم متفق عليه بينهم ولم يخالف فيه احد ، وما ذاك الا لوضوح ثبوت المصلحة في الصدق والمفسدة في الكذب بخلاف مثل اقامة العزاء على الميت فانه قد لا يكونون متفقين عليه بسبب عدم وضوح المصلحة فيه (١).
والصحيح هو الاتجاه الاول لناحيتين :
أ ـ ان الاتجاه الثاني مخالف للوجدان فانه قاض بان الظلم قبيح والعدل حسن حتى قبل ان يخلق الله سبحانه العقلاء ، فكما ان استحالة الدور امر ثابت في الواقع حتى قبل وجود العقلاء كذلك حسن العدل وقبح الظلم.
ب ـ ذكر الاتجاه الثاني ان الحسن والقبح حكمان مجعولان من قبل العقلاء
__________________
(١) من الجدير ان نشير الى ان اصحاب الاتجاه الثاني ـ القائل بان الحسن والقبح حكمان عقلائيان لا واقعيان ـ اختلفوا فيما بينهم فقال بعض كالسيد الخوئى ان حكم العقلاء بحسن الشيء او قبحه وليد ادراك المصلحة والمفسدة ، وقال آخر ـ كما هو المنقول عن ابن سينا ـ ان حكمهم بذلك ليس وليد ادراك المصلحة والمفسدة بل قد يكون وليد آداب ورسوم اجتماعية عاشها العقلاء