وقد روى مثل ذلك وهب بن منبه أيضا ـ الذي كان أيضا في الأساس من أهل الكتاب ـ فقد جاء في رواية مطولة له قوله : «يا رب ، إني أجد في التوراة قوما أناجيلهم في صدورهم ، يقرؤونها ، وكان من قبلهم يقرؤون كتبهم نظرا ، ولا يحفظونها ، فاجعلهم أمتي ، قال : تلك أمة محمد» (١).
فلعل كعب الأحبار ، وغيره ممن كان مقربا من السلطة قد استفاد من حسن الظن به من قبل الصحابة والحكام ، فألقى هذا الأمر إليهم ، وهم غافلون ، فوافق قبولا منهم ، بسبب ما كانوا يعانونه من مشكلات ألمحنا إليها آنفا.
ومما يشير إلى أن السلطة كانت تختزن في وعيها شيئا من ذلك هو التعليل الذي جاؤوا به حينما أرادوا إحراق ما جمعوه من أحاديث كتبها الصحابة عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، حيث ذكروا : أن سبب إقدامهم على هذا الأمر هو الالتفات إلى أن أمما كانوا قبلهم كان بينهم كتاب الله ، فلما كتبوا أقوال علمائهم أكبوا عليها ، وتركوا كتاب الله (فراجع ما تقدم).
والملفت للنظر هنا : أن يتخيل هؤلاء المساواة فيما بين أقوال النبي «صلى الله عليه وآله» الذي لا ينطق عن الهوى ، وبين أقوال علماء أهل الكتاب الذين كانوا يخلطون الحق بالباطل عن عمد وإصرار في كثير من الأحيان ، إن لم يكن في أكثرها.
__________________
(١) راجع : البداية والنهاية ج ٦ ص ٦٢ ونزهة المجالس ج ٢ ص ١٩٩.