_______________________
وأبو سفيان آخذاً بالركاب أقول : من الغريب قوله هذا ، فإنّه تعوزه الدقة ، لأن التاريخ لا يثبت باتفاق : اسم أبي بكر وعمر مع الذين ثبتوا مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل الذي أثبته باتفاق أسماء الهاشميين وليس معهم من غيرهم إلّا أيمن بن أم أيمن حاضنة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو معدود منهم.
أمّا أبو بكر وعمر فقد مر عن ابن عبد البر في الاستيعاب قوله : وجعل غير ابن اسحاق في موضع أبي سفيان عمر بن الخطاب ، والصحيح ان أبا سفيان بن الحارث كان يومئذ معهم لم يختلف فيه ، واختلف في عمر اه ويزيد ذلك بياناً قول ابن كثير في سيرته ٣ / ٦١٨ بعد ذكره لبني هاشم (ومن الناس من يزيد فيهم قثم بن العباس ورهط من المهاجرين منهم أبو بكر وعمر) ولما كان معلوماً في التاريخ ان قثم كان يوم وفاته صلىاللهعليهوآلهوسلم صغيراً ، علمنا ان ذلك المتزيّد من الناس كان حاطب ليل في أسماء من زادهم. وعلى هذا فقول المعلّق المحقّق (أثبت التاريخ ...) يعوزه الإثبات ، كما يعوزه هو نفسه التثبّت مع انه لم يذكر من ذكرهما أين كان مقامهما ، بينما ذكر المؤرخون كما سبق عن الباقين مكانهم. ولم يكن فرارهما في حنين بدعاً فقد فرا يوم أحد ورجعا يوم خيبر منهزمين وذلك يكفينا حجة في دحض زعمه ، ثم أعتراف أبي بكر نفسه في انه كان من الفارين يوم أحد وبكاؤه لذلك كما حدثت عنه ابنته عائشة فيما أخرجه عنها بأسانيدهم كل من الطيالسي وابن سعد وابن السنّي والشاشي والبزار والطبراني في الاوسط وابن حيّان والدارقطني في الإفراد وابو نعيم في المعرفة والضياء المقدسي ، وذكر ذلك عن هؤلاء جميعاً المتقي في كنز العمال ٥ / ٢٧٤ قال : « عن عائشة قالت كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد بكى ـ إلى أن قالت ـ : ثم أنشأ تعني يحدّث قال : كنت أول من فاء يوم أحد الحديث ... ».
أقول : الفيء الرجوع ومن المعلوم انه لا رجوع إلّا بعد الفرار. والفرار من الزحف من الذنوب التي لا كفارة لها على حد الشرك بالله وقتل النفس بغير حق كما في حديث أبي هريرة ، وأخرجه أحمد في مسنده ، وابو الشيخ في التوبيخ ، ورواه السيوطي في الجامع الصغير ، والمناوي في الفيض القدير ٣ / ٤٥٨ ، والديلمي في الفردوس ، وغيرهم ولعل ذلك كان سر بكاء أبي بكر.
واما عن فرار عمر فسل عنه أم الحارث الانصارية (رض) التي كانت استأذنت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في قتل الفارين فهي التي اعترضت عمر بن الخطاب وهو فارّ فقالت له : « يا عمر ما هذا ؟ فقال : أمر الله » المغازي للواقدي / ٩٠٤ ط أوربا ـ أي قضاء الله وقدره ـ ولم يخف ذلك حتى نظمه الشعراء فقال بعضهم :
وما أنسى لا أنسى اللذين تقدّما |
|
وفرّهُما والفَرّ قد علما حُوبُ |
(العلويات السبع لابن أبي الحديد المعتزلي ط حجرية).